هذه الأسباب التي أوجبت إقبال البربر على هذا الدين زرافات ووحدانا، ونبذهم ما عداه، ما لا يقدر العدو الألد والخصم الأعند أن يكابر فيه أو يتعامه عنه، وذكر الخلفاء الذين في أيامهم ازداد انتشار الإسلام بين البربر مثل: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، الذي أرسل إليهم طائفة من الفقهاء يعلمونهم القرآن وأصول الدين. ولا عجب وهو الخليفة العادل الورع المقرون اسمه باسم عمر بن الخطاب رضي الله عن الاثنين، حتى قيل في عدلهما: عدل العمرين، وسارت الأمثال في ورع الثاني كما سارت في ورع الأول، وروى المؤرخون أنه لما كثر إسلام القبط في مصر وارتفعت الجزية عمن أسلم منهم، شكا عامل مصر إلى عمر بن عبد العزيز نقصان الجباية عما كانت عليه؛ وذلك بسبب فشو الإسلام في القبط، فأجابه بتلك الكلمة الشهيرة: . . . ويحك إن محمدا لم يجئ جابيا، وإنما جاء هاديا. إذا كان جديرا بهذا الخليفة الورع أن يهتم بالاستقصاء في إسلام البربر، والإمعان في تأدبهم بآداب القرآن حتى غرس فيهم هذه النجابة المعروفة، وأوقد في قلوبهم هذه الحمية الإسلامية التي لم تفارقهم منذ ذلك اليوم. وذكر مآثر موسى بن نصير رحمه الله في هذا الباب حتى لم يمض إلا قليل فظهر الطابع العربي على البربر، ونبغ فيهم العلماء والخطباء بالعربية الفصحى، وحسبك شاهدا طارق بن زياد الذي خطب قبل الموقعة التي هز فيها لذريق ملك الأندلس، تلك الخطبة الطنانة التي لو حاول مثلها قس بن ساعدة، أو سحبان وائل، لم يأت بأفصح ولا أبلغ منها. ولقد كنت أفكر مليا في أمر هذه الخطبة وأقول في نفسي: . . . هنا لغز من ألغاز التاريخ لا ينحل معناه بالسهول، فقد اتفقت الروايات على كون طارق بن زياد بربريا قحا، وكذلك اتفقت الروايات أيضا على كونه هو لا غيره صاحب الخطبة الرنانة المعدودة من أنموذجات الخطب العربية، فكيف يمكن التلفيق بين هذين الأمرين المتناقضين، وأنى لطارق البربري مثل هذه العربية، وكنت أفكر في أن طارقا قد يكون أحسن تعلم العربية كما أحسن ذلك كثير من أبناء جيله، وكما تعلمت العربية رجال فارس حتى بزوا في العربية أقرانهم من أنفس العرب، ولكني لم أكن مستريح البال من جهة إتقان طارق للعربي الفصيح وبلوغه فيه هذه الدرجة العليا، وكان يحز في صدري أن تلك الخطبة كانت بلاغتها في المعنى، وإنما وضعها رواة العرب في هذا القالب الفصيح الذي سحر الألباب، وما زلت