وكفى بابن خلدون وابن الخطيب وابن الأحمر وابن رضوان وابن مرزوق وابن جزي والمقري وكثيرين غيرهم من العظماء الذين تفيئوا ظل هذه الحضرة المرينية، وتقلبوا في نعمتها لما إنها كانت في عصرها حامية بيضة الإسلام، وموئل العروبة، دليلاً على ما نقول.
ولقد سار أولئك السلاطين في إقامة مراسيم الخلافة على سننن لا حب فكانوا يعقدون المجالس للمناظرة والمحاضرة، ويطارحون الأدباء، ويحاورون الشعراء. أما العلماء فلا تسل عن شدة تقريبهم لهم واختصاصهم بهم حتى أن جمهوراً منهم ذهب ضحية هذا التقريب والاختصاص في وجهة أبي الحسن الإفريقية كما سبق القول. وقد قيل إن عدد من غرق من العلماء في أسطول هذا السلطان أربعمائة عالم، فما بالك بمن لم يركب الأسطول ونجا؟ فما ظنك بمن لم يصحبه في تلك الوجهة? وهذا يعني أن العلماء كانوا متوافرين بحيث بلغ عدد الذين يصحبون السلطان - ولا يكونون عادة إلا من جهابذة أهل العلم - ذلك الرقم المرتفع جداً. وهذا يعني أن الدولة كانت في خدمة العلم، بحيث انصرفت الهمم إلى طلبه، وأشتد التنافس في تحصيله، فكثر العلماء نتيجة لذلك، وفعلاً فإن ما عمله المرينيون في هذا الصدد يجعلهم حريتين بلقب دولة العلم الذي يطلقه عليهم بعض المؤرخين، ولقد بذوا بمآثرهم العلمية جميع من تقدم أو تأخر من ملوك المغرب. فمدارسهم الفنية العديدة لم يستطع أحد أن يأتي بمثلها إلى الآن. وخزائن الكتب كذلك لا تزال تنطق بفضلهم على الحركة العلمية في هذه البلاد منذ أسسوها، ولا سيما خزانة القرويين التي أنشأها السلطان أبو عنان وأودعها كما يقول الجزنائي في زهرة الآس «الكثير من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأبدان والأديان، واللسان والأذهان، وغير ذلك من العلوم على اختلافها، وتنوع ضروبها وأجناسها، ووقفها ابتغاء الزلفي ورجاء ثواب الله الأوفى، وعين لها قيماً لضبطها ومناولة ما فيها، وتوصيلها لمن له رغبة. وأجرى له على ذلك جراية مؤبدة تكرمة وعناية وذلك في جمادى الأولى سنة? ٥? ». وأسس أبو عنان كذلك بالقرويين خزانة مصاحف، احتفل في بنائها وتشييدها بما لم يسبق إليه، وأعد فيها جملة كبيرة من المصاحف الحسنة الخطوط، وكلف بها من يتولى أمرها على أحسن الشروط. وقبل أبي عنان عقد السلطان يعقوب المنصور صلحاً مشروطاً مع (شانجه) ملك إسبانيا، كان مما شرطه عليه فيه أن