أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن وولده أبي فارس عبد العزيز. فلا غرو أن تنشط الحركة العلمية في هذا العصر، وهي تحظى برعاية ملوك من هذا القبيل، يمثلون النشاط الفكري في جميع ميادينه. ولنفصل الكلام في كل باب باب، كما فعلنا في عصر الموحدين.
ولعل القارئ لا يزال يذكر أننا قسمنا العلوم هناك إلى ثلاثة أقسام، فالعلوم الشرعية تليها العلوم الأدبية ثم العلوم الكونية: أما العلوم الشرعية، وهي الفقه والحديث والتفسير وتوابعها فقد نحي فيها منحى التبسط والتفريع. وإن يكن شيء من ذلك قد وقع في العصر قبله؛ إلا أنه في هذا العصر قد زاد الأمر زيادة ظاهرة، وبلغ التوسع في ذلك منتهاه. يدلنا على ذلك كثرة الفقهاء الذين نبغوا في هذا العصر، والتآليف العظيمة التي وضعت في فروع الفقه. ونحسب أن ذلك كان نتيجة الضغط على رجال هذه العلوم في عصر الموحدين والتحرش بهم وإن الضغط يعقبه الانفجار كما تعلم؛ فكان هذا هو رد الفعل على تلك الحركة الاستفزازية المنافية الاستقلال الناس في أذواقهم ومشاربهم، وحريتهم في أعمالهم ومآتيهم. وإذا صح اعتبار هذا السبب هو الباعث على نشاط هذه العلوم من جديد ورواجها هذا الرواج كله؛ فلا يصح اعتباره سبب ما طرأ عليها من التضخم والنماء، إلا من طريق غير مباشر، وهو ما أشرنا إليه من كثرة المشتغلين بها، فكثر البحث والتعشق في البحث، فكثر الاستنباط والتفريع في الاستنباط، فكثرت مسائل هذه العلوم كثرة لا مزيد عليها. أضف إلى ذلك أن الطلبة في هذا العصر، كانوا لا يستنكفون من الطلب ولو بعد بلوغ المرتبة العليا في التحصيل. فقد كانت هناك طبقة منهم لا يمكن أن يقاس بها أكابر علمائنا الآن، لا تفتر عن الطلب، وهي بعد من كبار العلماء. واعتبر ما حكي عن الكانوني، وكان من أئمة الفقه، الذين لا يشق لهم غبار، أنه كان يدرس المدونة بالقرويين، ويأتي عليها بأبحاث وتعاليق وشروح مستجادة، فكان يجلس إليه أكثر من مائة معمم، وهم حفاظ المدونة إذ ذاك. وهذا حافز قوي لما ذكرنا كان من نتيجته أن اتسعت دائرة هذه العلوم اتساعاً عظيماً.
ودون هذه العوامل المختلفة، التي أدت إلى نشاط علم الفروع، ذلك النشاط العظيم، فإن هناك عاملاً آخر لا يقل عنها شأناً في هذا الصدد، وهو ما كان لطلبة