أعزكم الله أن تتفقدوا فرسنا الأحمر الصغير ولا تتركوهم يعطونه القصيل لئلا يكثر لحمه ويزاد ألمه، بل انظر من يركبه كل يوم، بل لا ينزع السرج بالكلية عن ظهره بياض النهار كله وأعطوه لصاحب روض المسرّة يركبه في ذهابه وإيابه للمسرة أو لداره وأوصوه أن لا يركبه غيره.
وأما الهيئة فقد كان لها فضل انتشار أيضاً، لمكان الحاجة إليها في معرفة أوقات الصلاة والإمساك والإفطار في الصوم وغير ذلك، وقد ألفت فيها وحدها ومع الحساب كتب عديدة. ومن علمائها المشهورين: البوعقيلي والمرغيثي وغيرهما.
وفي غير ما ذكر نقول أنهم ذكروا في ترجمة المنصور كدليل على نبوغه وعبقريته أنه قرأ كتاب إقليدس الهندسي وفك جداوله بنفسه من غير استعانة على ذلك بأحد لفقد «من يحسن ذلك الشأن في عصره». وهذا لا يتوافق مع ما عرف عن هذا العصر من استبحار العمران وكثرة البنيان وشيوع فنون الزخرفة من النقش والتزويق وغير ذلك مما لولاه لما أمكن بناء قصر البديع العديم النظير وغيره من الحصون المنيعة والقناطر الرفيعة التي تحتاج في وضع تصميماتها وبنائها إلى جهود الجبابرة، وعقول الجهابذة من رجال الفن والهندسة المعمارية.
وفعلاً فإننا نرى أنه كان هناك رجال ممن يحسنون «ذلك الشأن» أو على الأقل من شارك فيه نظرياً مثل ابن القاضي الذي ألف كتاب المدخل إلى الهندسة، وأبي القاسم الغول الذي ألف كتاب كيفية قسم المياه على قواديس الديار. ولا بد أن يكون هناك آخرون لم نعرفهم وعنهم أخذ هذان وغيرهما، فبإضافة هؤلاء إلى الرجال العمليين الذين كانوا موجودين بكثرة يتضح ما في قولهم لفقد من يحسن ذلك الشأن في عصره، من المبالغة. إنما الواقع أن الاشتغال بهذه العلوم كان نسبياً وبمقدار مع طغيان الإقبال على العمل دون النظر، والأول وإن كان هو الأجدى والأنفع إلا أن الثاني له خطره ومزيته في حفظ النماء العلمي وصون التراث الفني.
ولا نظن الكلام على الآثار الفنية الرائعة التي تخلفت عن هذا العهد وأخصها قصر البديع بمراكش وما توحي به من رسوخ قدم الصانع المغربي في فنون المعمار وعمل