المقربصات والزليج والنقش على الجص والخشب والتلوين والتذهيب وما إلى ذلك- إلا من الكلام المعاد، لا سيما وهذه مقابر السعديين بمراكش ما زالت ماثلة العيان تغني مشاهدتها عن كل بيان. أما قصر البديع فقد نقض مع الأسف الشديد، ولم تبق إلا أوصافه المعجبة المطربة مسجلة في الأشعار البليغة التي قيلت فيه، وكتب على جدرانه، ويتضمن قسم المنظوم من هذا الكتاب جملة صالحة منها. . لكن الذي ينبغي تسجيله في الكلام على الحياة الفنية في هذا العصر هو النهضة الموسيقية التي تتمثل في المحافظة على الطرب الأندلسي بجميع ألحانه ونغماته. وقطعه وأدواته، ثم تجديده وتكميله بما هو منه بسبيل كإضافة بعض الآلات وتوليد بعض الطبوع، ومن ذلك طبع الاستهلال الذي استنبطه الحاج علي البطلة، من أهل فاس، على عهد السلطان عبد الله الغالب بن محمد الشيخ المهدي وهو خارج عن شجرة النغمات الأصول والطبوع المتفرعة عنها، التي وضعها الموسيقيون لذلك. ولكنّ الغالب عليه أن يكون فرعاً من الذيل كما في كتاب الحايك الموسيقار المشهور. وإلى هذا فإن ضروباً من الزينة في اللباس والفراش والأثاث على العموم قد ابتكرت في هذا العصر، مما يدل على ذوق فني رفيع. ونذكر على سبيل المثال من ذلك المنصورية التي يقال إن المنصور الذهبي أول من لبسها، وكذلك الحائطي، ويطلق على الستور المزخرفة التي تزين بها جدران البيوت وقاعات الجلوس. وللشعراء فيه أوصاف جميلة. ومن الجدير بالذكر أن المرأة كان لها يد طولي في هذا الصدد، فقد سجل المؤرخون أن العريفة بنت خجو- وأسرة خجو أسرة معروفة بالعلم والفضل- هي التي هذبت حواشي مُلك السعديّين وخاصة في داخل قصورهم وحالاتهم في الطعام واللباس وعاداتهم مع النساء وما إلى ذلك، إذ كان قيامهم أولاً من البادية، فلم يكونوا يتقيدون بآداب الحضارة وسير أهلها. . وعلى ذكر المرأة لا ينبغي أن ننهي الكلام في هذا الفصل حتى نشير إلى ظاهرة حرية بالتسجيل في ميدان النشاط النسوي المغربي ألا وهي مساهمة المرأة في الحكم والسياسة أواخر أيام بني وطاس وأول عهد السعديين، إذ شاهد الناس لأول مرة على دست الحكم في مدينة تطوان السيدة عائشة بنت علي بن راشد، وهي سيدة من بيت شريف؛ فإن والدها السيد علي بن راشد كان شخصية لامعة في الجهاد، وترأس بناحية غمارة واختطّ مدينة شفشاون بقصد تحصين تلك الناحية من نصارى سبتة. وكانت ابنته هذه التي اشتهرت بالحرّة ذات ذكاء ودهاء ومعرفة وسياسة، تزوجت