للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن خطة القضاء والإفتاء صارت ملعبة ومتجراً، لا يعرف أصحابها فيها سآمة ولا ضجراً، وأن الرُّشا فيها تقبض سراً وعلانية، والأحكام تصدر بنية وبلا نية، قد عُدِلَ فيها عن منهاج العَدْل، من غير اكتراث بتأنيب ولا عذل، والحقوق نزلت بمعرض الضياع، والمراتب المعظمة بهذه البقاع، صارت كسراب بقاع، (١) وأن بعض القضاة حمله ما حمله، إلى التطاول للدعاوى البعيدة منه واستجلاب القضايا المصروفة عنه، وتوجيه أعوانه للإتيان بالخصماء من البلاد التي قُضاتها لهم الاستقلال، ولم يصده عن الترامي لذلك ما لا يستقل به من الأثقال، مع العلم بأن من صرفت عنه قضية، فقد صرفت عنه بلية، لو لم يكن الغرض الدنيوي الذي أغراه، والشر الذي استحوذ عليه وأغواه، حتى ظهرت على القضاة أمارات الغني والرفاهية، ودهتهم من الميل للزخارف كل داهية، وتبختروا في الحلل والنمارق، وذهلوا عن الأثر المأثور «مَن وَلِيَ القضاء ولم يفتقر فهو سارق، كما بلغنا أن طائفة من العدول أُذِنَ لهم في الشهادة إفتياتاً من غير اعتبار للشروط التي شرطناها، ولا وقوف مع الحدود التي بيناها وحددناها، واتُّخذ منهم ومن الأعوان والوكلاء أشراك للطمع، وجسور بناها التهور والهلع، يُمرُّ عليها ما يُلْمَزُ بأجرة الخطاب وحق العلم (٢) وتُعَدُّ للاستئثار بها حالتي الحرب والسلم، هذا مع أنّا بالغنا


(١) القاع الأرض المستوية.
(٢) يعني تصديق القاضي للرسم وعلامته.

<<  <  ج: ص:  >  >>