من الهاوية التي كان قد تردى فيها، فإنها قد سارت على نفس المسطرة لما أصبحت مدعوة إلى القطر الأندلسي الذي أفسده تحلل ملوك الطوائف من كل الالتزامات الدينية والسياسية وانغراس أهله في الملاهي والملذات.
ولقد عمل المرابطون مع عبدالله بن ياسين على تثبيت دعائم الإسلام في بلاد صنهاجة أولاً ثم في بقية البلاد كسجلماسة ودرعة وسوس، إذ كانت على ما كان عليه أهل صنهاجة من الجهل والزيغ والفساد. وكان عبد الله يرتب العمال في كل البلاد التي يحل بها ويأمر بإقامة العدل وإظهار السنة وأخذ الزكاة والعشر من القبائل وإسقاط ما سوى ذلك من المغارم التي طالما كانت السبب في تمردهم وانحرافهم عن الجادة. وقاتل في مدينة تارودانت قوماً من الروافض يقال لهم البجلية، منسوبين إلى عبد الله البجلي الرافضي، كان قدم إلى سوس حين قدم عبيد الله الشيعي إلى إفريقية، فأشاع هنالك مذهبه فور ثوه بعده جيلاً عن جيل، لا يرون الحق إلا ما في أيديهم، فطهر تلك الناحية من بدعتهم وردهم إلى السنة. كما قاتل برغواطة ببلاد تامسنا الساحلية المعروفة اليوم بالشاوية، وكانوا أهل نحلة فاسدة وزيغ عن الدين.
وفي أثناء المعركة التي انتهت باستئصال شافتهم، توفي رحمه الله شهيدة مبروراً، وقد قضى في تربية المرابطين وإعدادهم للمهمة العظمى التي قاموا بها مدة حكمهم للمغرب؛ إحدى وعشرين سنة، لأن دخوله للصحراء مع يحيى بن إبراهيم كان سنة ٤٣٠ واستشهاده كان سنة ٤٥١، وهي مدة لا تعد شيئاً إذا قسناها بالنتائج التي حصلت فيها. فقد طهر المغرب من الظلم والفساد، وتوحدت أقاليمه بعد طول الفرقة، وقطع دابر الخلاف المذهبي والسياسي الذي كان سبباً في كثير من الحروب الداخلية العنيفة، وتمحضت جهود المغاربة من يومئذ لبناء مستقبل بلادهم وإحلالها المحل اللائق بها بين بقية بلاد الإسلام والعروبة.
وكان بلي أمر المرابطين حين وفاة ابن ياسين الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني الذي لم يلبث أن سلم سلطاته لابن عمه يوسف بن تاشفين وانقطع هو إلى الجهاد في بلاد السودان مع الإشراف على شؤون الصحراء.
وكان يوسف ذا همة عالية وحزم وعزم؛ فلما أسند إليه الأمر عزم على تصفية ملك المغرب وانتزاع ما بقي منه بيد مغراوة وبني يفرن. وهكذا استولى على