فاس ونقل كرسي المملكة منها إلى مراكش التي بناها سنة ٤٥٤ ثم طمح إلى تملك المغرب الأوسط فلم ينشب أن أخذ عاصمته تلمسان من يد مغراوة، ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس وجميع أعمال شلف إلى الجزائر. وفي سنة ٤٧٥ كان قد صفاً له أمر المغربين معاً. ثم إن مستخلفه الأمير أبا بكر بن عمر كان قد مضي إلى الصحراء يجاهد في سبيل الله حتى بلغ حدود السودان ونهر النيجر، ولما توفي سنة ٤٨٠ دخلت هذه البلاد كلها في طاعة يوسف، فعظم بذلك أمره وذاع صيته في البلاد. ومن ثم توجهت إليه أنظار أهل الأندلس وتعلقت به آمالهم في النجدة والإنقاذ.
وكانت بلاد الأندلس منذ سقوط الدولة الأموية، تخضع لملوك الطوائف الذين تنازعوا النفوذ فيما بينهم، واستبدوا بولاياتها المختلفة. ولم يكن عندهم غناء في دفاع العدو المغير، لتفرق كلمتهم وانهماكهم في اللهو والمجون، على حين أن عدوهم آخذ لهم بالمرصاد، يستخلص منهم الجزية لقاء الكف عن قتالهم، ولا يفتأ يتنقص بلادهم من أطرافها مهدداً لهم بالاكتساح الشامل عند أول فرصة. وذهاباً مع الغاية في التهديد قام الفنس السادس ملك قشتالة برحلة جاس فيها خلال ديار ملوك الطوائف حتى وصل إلى ساحل المحيط من شاطئ مدينة طريف وأقحم بفرسه في اليم وقال هنا يجب أن انتهي بجنودي. وقد هلع المسلمون لذلك أشد الهلع وأيقنوا بالخطر الداهم إن لم يتداركهم الله بلطفه، وليأسهم من ملوكهم فإنهم لم يكونوا ينتظرون الغوث إلا من الخارج وقد فكر أهل قرطبة في الاستنجاد بعرب إفريقية، فقال لهم قاضيهم أبو بكر بن أدهم:«أخاف إذا وصلوا إلينا أن يخربوا بلادنا كما فعلوا بإفريقية ويتركوا الفرنج ويبدأوا بنا. والمرابطون أصلح منهم واقرب إلينا». وشعر ملوك الطوائف بانحراف رعاياهم عنهم وسوء رأيهم فيهم وتشوفهم إلى المرابطين، فلم يسعهم تحت ضغط الرأي العام إلا استصراخ يوسف بن تاشفين والاحتماء به من العدو المشترك. وهكذا عبر المعتمد بن عباد ملك إشبيلية إلى العدوة، فلقي يوسف وأبلغه رغبة أهل الأندلس في الجواز إليهم ونصرتهم على عدوهم؛ فما كان منه إلا أن لبي دعوتهم واستنفر الجيوش والمقاتلة إلى الجهاد. وعبر البحر إلى الأندلس؛ فلقيه أهلها وملوكها وعلى رأسهم. المعتمد بن عباد والمتوكل بن الأفطس وغيرهما. ونازل الفنس السادس وجيشه العظيم بسهل الزلاقة من ناحية بطليوس فانتصر عليه وهزمه شر هزيمة حيث لاذ بالفرار في ثلة من الجند مستتراً تحت جناح الظلام.