الحمام، فوجدت في طريقي جماعة من النسوان، بينهن فتاة كأنها قضيب البان، فلمحت من تحت الإزار معصمها، وقد سطع صفاوه، وأبصرت من تحت النقاب جسمها، وقد لمع ضياؤه فوقفت وقد جرى من الجفون دمي، وعجزت عن نقل قدمي، ثم تبعتها من بعيد، ولاحظتها إلى أين تريد، فدخلت داراً يدل إتقان بابها، على سعادة أربابها، فنظرت فإذا بالقرب من ذلك المكان، خياط يخيط في دكان، وعنده من الصناع والأعوان، ذوو أذقان ومردان، وصنوان وغير صنوان، فقلت في نفسي من هذا الخياط أستفهم، عما علي أبهم، فرجعت إلى دكاني، ثانياً عناني، وأحضرت عدة من التفاصيل وجئت بها حانوت الخياط بقصد التفصيل، فجالسته، وحاورته وآنسته، وفصلت ذلك القماش، وعجلت له من الأجرة ما يحصل به الانتعاش، ففرح بحضوري، واعتنى بأموري، ووجدت عنده معرفة بالأدب، وشكا لي من ضيق الحال والسغب، وأنشدني لنفسه من شعره المستعذب:
أنا الخياط لي رزق ولكن. . . أرى حالي من الإفلاس عبره
ذراعي فيه من فقري مقص. . . ورزقي خارج من عين إبره
فاستحسنت نظمه، وحملت همه، وصار يتلقى كلامي بالقبول، ويقف ممتثلاً ما أقول، فسألته عن صناع دكانه، ودار جيرانه، فما زال يشير إلى كل دار ويشرح حالها، ويعرفني تفصيلها وإجمالها،