وأما الثاني أعني المقصود لغيره، فإما للذِّهن وما يُنَاط به من المعاني وهو المنطق، وإما لِلِّسَان وما يُناط به من الألفاظ وهو الأدب، وهذا مُحدَث.
ثم إن الشريعة المطهرة على القَيِّم بها أفضل الصلاة والسلام جاءت بما يُغنِي عن العلوم العملية المذكورة فتُرِكَت، وذلك أن مَدَارَها إمَّا على حفظ النفس وهو في الشريعة بالقصاص ونحوه، وإمّا على العقل وهو فيها بتحريم ما يزيله والحدِّ عليه، أو المالي وهو فيها بالتَّنْمِية بالتِّجارات وسائر المعاملات وحَدِّ الحرابة والسرقة وتحريم الربا والغش ونحو ذلك، أو العِرْض وهو فيها بعد القذف مثلاً أو النَّسب وهو فيها بتحليل النكاح وتحريم السِّفاح وحد الزنى، أو تهذيب النفس بالتخلية والتحلية, والقيام بالتعبد ومعرفة المعبود والاعتراف بالشرع ومن جاء به وهو مبسوط فيها على أكمل وجه وكذا سياسة العباد بالنبوءة والخلافة فأسقط المتأخرون هذا القسم من علوم القدماء استغناءً عنه واقتصروا على الأقسام الباقية أعني العلم الإلهي والرياضي والطبيعي والمنطقي.
أما العلم الإلهي فهو العلم الباحث على الموجود من حيث ثبوته وما يعرض له أو على المعلوم من حيث هو على الخلاف في موضوعه، ومنفعته تبيين المعتقَد الحق من الباطل وسُمِّيَ إلهياً لأن فيه أحكام