الربوبية وهذا العلم هو المقصود بالذات للإنسان في كماله وفوزه في الدارين وكل ما سواه من العلوم تبَعٌ له فما كان منها دينياً فوسيلة إليه وما كان دنيوياً فبمثابة الخديم له ولهذا توفرت رغبات العقلاء على طلبه ثم اختلفت الطرق إليه فمن العقلاء من رام إدراكه بالنظر وهم الحكماء ومنهم من رام إدراكه بالرياضة بالجوع والعزلة والخلوة كالنسَّاك وهم الصوفية في ملتنا ومنهم من رامه بالنظر وليس من أهله فأخطأ الحق وضلَّ وأضل كالثَّنِويَّة والمُعطِّلة وسائر المنكرين للشرائع، ومنهم من عجز ورام التعلُّق بالمولى تعالى على ما هو شأن العبودية أو غفل فأمدَّهم الله تعالى فضلاً منه ومِنَّة ببعث الرسل مع التأييد بالعقل الصائب. . .
وأما العلم الرياضي فهو العلم الباحث عما تجرد عن المادة في الذهن فقط كما مَرَّ، وأنواعه أربعة: علم الهندسة، وعلم الهيئة، وعلم العدد، وعلم الموسيقى وذلك أن نظره في الكم وهو إمَّا متَّصل بأن يُفرَض بين أجزائه حدّ مشترك تتلاقى عنده وكلاهما أما قارُّ الذات بأن يكون مجتمع الأجزاء في الوجود أولاً، فالأول علم الهندسة وموضوعه الكم المتصل القارُّ الذات وهو المقدار فهو علم يعرف به أحوال المقادير ولواحقها وأوضاعها وأشكالها، ومنفعته اكتساب الحِدَّة وارتياض الفكر مع ما يستتبع ذلك من المصالح في الأبنية والمنازل وغير ذلك ويتفرع عنه عشرة علوم، والثاني علم الهيئة وهو العلم الباحث عن