وقيل أنه كتب:«الجواب ما ترى لا ما تسمع» وأرسله إليه. فلما وقف عليه الأذفونش ارتاع له وعلم أنه بلي برجل له دهاء وحزم يفعل ولا يقول. ويظهر من بعض عبارات الفتح في القلائد أن الكاتب المذكور تعرض لبعض شدائد الدهر قبل أن يسعده الحظ بالالتحاق بخدمة أمير المسلمين.
وكتب ليوسف كذلك الوزير محمد بن عبد الغفور، وهو الذي كتب مرسوم ولاية العهد لولده علي. وكتب له أيضاً أديب الأندلس عبد المجيد بن عبدون باستدعاء منه له، وكان قد التحق بخدمة الأمير سير بن أبي بكر المتوني. وهو صاحب الرائية المشهورة في رثاء بني الأفطس ملوك بطليوس. . ومن حسن أدبه وقوة عارضته أنه بكى فيها مخدوميه السابقين وأفاض في ذكر محاسنهم ولم يعرض فيها بالمرابطين ولا أشار لهم بكلمة سوء وإنما أنحى باللوم على الدهر وتفنن في ذكر غدره بالكرام بما أحزن القلوب وأقض الجنوب. وقيل إنه إنما كتب لعلي بن يوسف. وعلى كل فإن عنايتهم به ظاهرة واستدعاءهم له مؤكد وقد قابل هو هذه العناية بمثلها إذ كان رجلاً لبقاً يقدر الأشياء بقدرها ويفهم ماجريات الأحوال فرثى أولياء نعمته الأولين ولم يبخس مخدوميه الجدد حقهم ولا أنكر عارفتهم.
لا كما وقع للوزير أبي محمد بن أبي الخصال وكان من أنبه الكتاب عند علي بن يوسف وأكبرهم مكانة لديه، غير أنه على ما يظهر لم يكن مخلصاً في خدمته لهم. ولما انهزم جيش بلنسية أمام ابن رذمير (١) كلفه أمير المسلمين أن يكتب إليهم رسالة توبيخ، فأبدأ وأعاد في تبكيتهم والإزراء عليهم، وكأنه اهتبلها فرصة لإظهار مكنون حقده على المرابطين جملة، فكان من فصول تلك الرسالة قوله:«أي بني اللئيمة، وأعيار الهزيمة، إلام يزيفكم الناقد، ويردكم الفارس الواحد؟ »
ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قوتها غامد
تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحد
(١) هو الفونس الأول ملك أراغون، وانظر عن حروبه مع المرابطين كتاب القرطاس. أثناء ترجمة علي بن يوسف.