ومن لرعاة الإبل، بالجد المقبل، فلولا من لدينا من ذويكم، وضراعتهم إلينا فيكم، لألحقناكم بصحرائكم، وطهرنا الجزيرة من رحضائكم، بعد أن نوسعكم عقاباً، ونحد أن لا تلوثوا على وجه نقاباً. .» إلى آخرها وهي طويلة. فكانت هذه الرسالة سبباً في تأخيره عن الكتابة. وقال علي بن يوسف لأخيه أبي مروان، وكان متخططاً أيضاً في كتابته: لقد كنا في شك من بغض أبي محمد المرابطين والآن قد صح عندنا.
وكان أبو محمد هذا قد أوى إلى ظل المنصور بن محمد بن الحاج اللمتوني أمير قرطبة لما ثار على علي بن يوسف وومع ذلك فلما وقع الرضا على ابن الحاج وولي ما ولي من أعمال المغرب عاد ابن أبي الخصال إلى مكانته منه، حتى توفي هذا الأمير بالثغر الشرقي من الأندلس وبقي هو ببيته منزوياً لم ينله من المرابطين سوء إلى أن اغتيل في فتنة ابن حمدين سنة ٥٤٠. . فهل بعد هذا غاية في البر والتسامح؟ ولو صدر بعض ما ذكر من أبي محمد في عهد ملوك الطوائف لكان ذلك كافياً في الإطاحة برأسه. واعتبر أنت بقضية ابن عمار مع المعتمد مع ما كان بينها من عظيم المودة وقديم الماتة، ومنها يتبين لك نبل المعاملة التي قابل بها أمير المسلمين إساءة ابن أبي الخصال، إذ لم يزد على أن أعفاه من كتابته». هذا على حين أن أخاه أبا مروان بقي متميزاً عنده ومن خدمة دولته بالصدارة.
ولا ندع هذه الحادثة تمر دون أن نقيمها حجة على من يتهم المرابطين بعدم الذوق الأدبي وكثافة الإحساس الفني، ولذلك كف الأدب في عهدهم واضمحل اضمحلالاً مؤسفاً، بل لا نعدم من يجردهم حتى من معرفة اللسان العربي؛ فكيف فطن علي بن يوسف المغامز ابن أبي الخصال وتورياته التي ظن أنها تخفى على مخدومه، إن لم يكن ثقفاً لقفاً وعلى جانب من العلم يدرك به سوء النية التي أملت على كاتبه رسالته تلك؟
وما بالنا لا نقول مثل هذا أيضاً في يوسف نفسه، وقد قرأ عليه الكاتب القدير أبو بكر بن القصيرة جوابه للإذفنش، فقال هذا جواب طويل، وأملى عليه كلمته التي ذهبت مثلاً أو كتبها بنفسه وهي قوله:«الجواب ما ترى لا ما تسمعه»! . . فهل