صاحب هذه الملاحظة وذلك الجواب يكون لا يعرف العربية؟ وهل موقف يوسف هذا إلا مثل موقف أبي مسلم الخراساني من رسالة عبد الحميد الكاتب التي بعثها إليه عن مخدومه مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية، وكانت من الطول بحيث تقع في مجلد، فلما وصلت إلى أبي مسلم أحرقها ولم ينظر فيها. وكذلك قدر يوسف في رسالة ابن القصيرة أنها لا يكون لها التأثير المطلوب في نفس الأدفنش بسبب طولها وربما أهملها النفس السبب فعوضها بعبارته البليغة التي أقضت مضجعه!
وقالوا إن شعراء الأندلس مثلوا أمام يوسف بعد انتصاره في موقعة الزلاقة وأنشدوه مدائحهم فيه، وإن المعتمد بن عباد قال له: أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟ فقال: لا؛ ولكنهم يطلبون الخير. فليت شعري لماذا احتاج هنا إلى من يترجم له ولم يحتج إليه في فهم رسالة ابن القصيرة وانتقادها؟ وهلا عدوا جواب أمير المسلمين على فرض صحة الحكاية من باب ما يسمى عند البديعيين بأسلوب الحكيم، في غرض الشعراء بمدحه إلا طلب خيره؟ ! . .
أما ما نرويه نحن في هذه القصة، فهو أنه كان يحثو التراب بيده وهم يلقون قصائدهم، فقال قائل: إنه يعرض لهم بقول النبي (ص)؛ «احثوا في وجه المداحين التراب».
ولا ننس في هذا الباب ما يروى عنه من أنه لما جال في بلاد الأندلس وتطوف على أقطارها شبهها بعقاب رأسه طليطلة ومنقاره قلعة رباح وصدره جيان ومخالبه غرناطة وجناحه الأيمن بلاد الغرب وجناحه الأيسر بلاد الشرق. قال في الحلال الموشية. «وبالنظر إلى كيفية وضعها وتمثيلها في الصفرة) (١) يبدو بيان هذا التشبيه الذي هو راجع إلى سياسة أمرها واعتبار أحوالها، فهل صاحب هذا التشبيه البديع لا يفهم مثل قول ابن زيدون؟
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سوداً، وكانت بكم بيضاً ليالينا