الأشاعرة، من تأويل المتشابهات وعدم إقرارها على ظاهرها فراراً من الوقوع في التجسيم. وكان أكثر ما يحفز همته للعمل ما يراه من انتشار البغي والفساد مع سكوت علماء الدين على ذلك. ولقد بدأ في طريق عودته إلى المغرب من رحلته التي دامت زهاء عشر سنوات، يصطدم بالعامة وأولي الأمر، إذ كان كلما رأى منكراً تقدم بتغييره، فيريق الخمور ويكسر آلات اللهو والطرب ويغلظ على أهل المجون، كما فعل في الإسكندرية والمهدية وتونس وقسنطينة وبجاية وتلمسان وغيرها. وما كان ينجيه من طائلة العقاب إلا ما يلوح عليه من سمة الخير، ومساندة الرأي العام له إذ كان المجتمع الإسلامي ما يزال يؤثر الطهارة ويتمسك بقانون الأخلاق.
ويظهر من سيرته هذه أن الرجل كان مخلصاً في دعوته أشد الإخلاص، وأنه لم يكن يهمه ملك ولا دنيا إلا بلوغ قصده في محاربة الفساد وتجديد الدين. ولولا ذلك لما عرض نفسه للخطر مراراً في غير موطنه، حيث لا يرجو ملاكاً ولا يجد من قومه أعواناً يشدون أزره ويحمون ظهره. ولقد أشخص بين يدي أمير المسلمين بمراكش عند ما جهر بدعوته وكثر انتقاده للحكام فلم ير فيه غير داعية ديني مخلص، وتأثر بكلامه ثم أمر بتخليته على الرغم من إلحاح أهل مجلسه عليه في البطش به وتحذير مستشاريه له مما سيؤول إليه أمره.
والذي نريد أن نقوله هو أن الرجل كان صاحب فكرة إصلاحية عمل لتنفيذها بالوسائل المألوفة قبل أن يكون طالب ملك يرتكب كل محظور للحصول عليه. وبذلك تعلم أنه فوق ما تقول عليه ورمي به من التلبيس والشعوذة وعضائه الأمور. وهذا هو رأي ابن خلدون الناقد البصير. فاستمع إلى ما يقوله في هذا الصدد عند تعرضه لتصحيح كثير من أغلاط المؤرخين في مقدمته الحافلة:
«ويلحق بهذه المقالات الفاسدة والمذاهب الفاشلة، ما يتناقله ضعفة الرأي من فقهاء المغرب، من القدح في الإمام المهدي صاحب دولة الموحدين ونسبته إلى الشعوذة والتلبيس فيما أتاه من القيام بالتوحيد الحق والنعي على أهل البغي قبله، وتكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك، حتى فيما يزعم الموحدون أتباعه من انتسابه في أهل البيت. وإنما حمل الفقهاء على تكذيبه ما كمن في نفوسهم من حسده على شأنه، فإنهم لما رأوا من نفوسهم مناهضته في العلم والفتيا والدين بزعمهم، ثم أمتاز عنهم بأنه متبوع الرأي،