كتبت في شأنك) فإن كان المسند إليه معرفة، اسماً ظاهراً أو ضميراً - كما مثلنا- جار أن يراد من التركيب التخصيص، وأن يراد منه تقوى الحكم حسبما يتطلبه المقام، فإن كان المتكلم في مقام الرد على منازع في الحكم، كان الكلام مفيداً للتخصيص، وإن كان القصد إلى مجرد الحكم على المسند إليه دون نظر إلى التعرض للرد على منازع، كان الكلام مفيداً لتقوى الحكم في ذهن السامع.
وإن كان المسند إليه نكرة - كما إذا قلت:(رجل أعد هذه المائدة) أفاد التركيب تخصيص الجنس أو الوحدة، ويكون المعنى: رجل لا امرأة، أو: رجل لا رجلان.
وهذا هو رأى الإمام عبد القاهر الجرجاني، وهو المعول عليه عند البلاغيين، ويتلخص هذا الرأي فيما يلي:
إن كانت أداة النفي سابقة على المسند إليه - سواء أكان معرفة أو نكرة- أفاد الكلام التخصيص قطعاً، وإن لم تسبقه أداة نفي، بأن لم توجد في الكلام أصلاً، أو كانت متأخرة عنه، وكان المسند إليه معرفة "ظاهراً أو ضميراً"، احتمل الكلام التخصيص والتقوى حسبما يقتضيه المقام، وإن كان نكرة أفاد التخصيص قطعاً وسواء وقعت بعد نفي أو لا.
والسر في إفادة التقرير تقوى الحكم في مثل قولك:(محمد يعطى الجزيل) هو: تكرر الإسناد، وذلك لأن المبتدأ - كما هو معلوم- يطلب الخبر، فإذا جاء الفعل بعد صرفه إلى نفسه، ثبت له، فإذا كان الفعل متضمناً لضميره صرفه ذلك الضمير إليه، فثبت له مرة أخرى؛ وبذلك يتكرر الإسناد، فيكتسي الحكم قوة.
فقولك:(محمد يعطى الجزيل) قد أفاد تقوى الحكم، لأن الفعل فيه وهو:(يعطى) قد أسند مرتين: مرة إلى (محمد) ومرة إلى ضميره المستتر في الفعل فهو بمثابة قولك: (يعطى محمد الجزيل، يعطى محمد الجزيل) ويتكرر الإسناد بتقوى الحكم فيثبت في ذهن السامع.
ومثل هذا التقوى يجري في حالة النفي - أيضاً - فقولك:(محمد لا يعطي الجزيل) قد أفاد قوة الحكم وهو نفي إعطاء الجزيل، لتكرر الإسناد، فقولك:(أنت لا تكذب) أقوى في نفي الكذب من قولك: (لا تكذب أنت) لتكرر الإسناد.