للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوضيح ذلك فيما يلي:

أ- إذا قلت: (مثلك يرعى الود) كنت قد أثبت رعاية الود لكل من هو مثل المخاطب في صفاته والمخاطب متصف بها، فهو فرد من هذا العام، فلزم ثبوت رعاية الود له؛ لأن الحكم على العام ينسحب على كل فرد من أفراده، فقد أطلق الملزوم - وهو إثبات رعاية الود للمماثل-، وأريد اللازم وهو إثباتها للمخاطب.

ومنه قول أبي الطيب المتنبي يعزي عضد الدولة:

مثلك يثني الحزن عن صوبه ... ويسترد الدمع من غربه

أي: إنه قدير على دفع الحزن، ورد الدمع إلى مجراه.

ب- وإذا قلت: (غيرك لا يفي) كنت قد نفيت الوفاء عن كل من عدا المخاطب، فلزم قيامها بالمخاطب ضرورة وجودها إما في المخاطب وإما في غيره، فإذا انتفت عن غيره فقد ثبتت له، فقد أطلق الملزوم وهو نفي الوفاء عن كل من عدا المخاطب وأريد اللازم - وهو إثباته للمخاطب.

ومثله قول أبي تمام:

وغيري يأكل المعروف سحتاً ... وتشجب عنده بيض الأيادي

أي: إنه لا يجحد الصنيعة، ولا ينكر المعروف.

والسر في أن الأسلوب الكنائي أبلغ هو الكناية كدعوى الشيء ببينة، فقولك: (مثلك يرعى الود) معناه: أنت ترعى الود، لأن من كان على صفاتك يرعاه. وقولك: (غيرك لا يفي) معناه: أنت تفي؛ لأن غيرك لا يفي، والدعوى إذا جاءت مشفوعة بالبينة كانت أكد وأقوى من دعوى لا تؤيدها بينة.

ولما كان استعمال (مثل) و (غير) كنايتين مفيداً لإثبات الحكم من طريق أبلغ، وكان تقديمهما مما يعين على هذا الغرض -إذا فيهما تقديم للمسند إليه على الخبر الفعلي- لم يردا في استعمالات العرب إلا مقدمين.

****

<<  <   >  >>