لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر، وأن أبا الحسين كريم
فقد نفى الشاعر ما أدعته حبيبته من انصراف قلبه عنها، وأقسم على هذا، والدليل عليه قول قبل هذا البيت:
زعمت هواك عفا الغداة كما عفا ... عنها طلول باللوى ورسوم
والشاهد في قوله:(أن النوى صبر، وأن أبا الحسين كريم) فقد عطف الجملة الثانية على الجملة الأولى، مع أنه لا مناسبة بين مرارة النوى، وكرم أبي الحسين، ولهذا كان العطف غير مقبول، فعابه النقاد على أبي تمام.
والحالة الثانية: وهي التي لا يقصد معها تشريك الجملة الثانية مع الأولى في الحكم الإعرابي، يجب فيها فصل الجملة الثانية عن الجملة الأولى، سواء وجد بينهما جامع أم لم يوجد بينهما جامع، وذلك لئلا يلزم من العطف التشريك الذي لم يكن مقصودًا، كما في قول الله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٤، ١٥] فلم تعطف جملة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على جملة: {إِنَّا مَعَكُمْ} التي هي مقول القول؛ لأنه لو عطفت عليه للزم تشريكها لها في كونها مفعول {قَالُوا}، فيلزم -حينئذ- أن تكون جملة:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} من مقول المنافقين، مع أنها ليست في مقولهم، بل هي من مقول الله- سبحانه وتعالى.
ومن هذا الضرب -أيضًا- قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: ١١، ١٢] وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ}[البقرة: ١٣]، فلو عطف قوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ} - في الآية الأولى- وقوله تعالى:{أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ} في الآية الثانية على الجملة التي قبلها لكان من مقولهم، مع أنه ليس من مقولهم.
وإذا لم يكن للجملة الأولى محل من الإعراب: فإما أن يقصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو، وإما ألا يقصد ذلك.