للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو، عطفت عليها بذلك العاطف -وإن لم توجد جهة جامعة- وذلك كقولك: (دخل محمد فخرج على) إذا كان خروج على عقيب دخول محمد بدون مهلة.

وكقولك: (جاء محمد ثم جاء على) إذا كان مجيء على بعد مجيء محمد بمهلة، وكقولك: (يعطيك محمد كتبًا، أو يقرضك مالاً)، إذا أردت أنه يفعل واحدًا منهما، ومنه قول الله تعالى: {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ} [النمل: ٢٧].

وذلك لأن لكل حرف من حروف العطف سوى (الواو) معنى خاصًا به، ووجوده كافٍ لصحة العطف- وإن لم تكن هناك جهة جامعة.

وإن لم يقصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو، فلا يخلو الحال من أحد أمرين:

أولهما: أن يكون للجملة الأولى قيد زائد على مفهومها، مثل الحال أو الشرط أو الظرف ولم يقصد إعطاؤه للجملة الثانية، وهنا يجب الفصل، لئلا يلزم من الوصل التشريك في ذلك القيد مع أنه غير مقصود، وذلك كما في الآية السابقة: حيث لم تعطف جملة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على جملة {قَالُوا} لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المقدم -وهو قوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} وهذه المشاركة غير مقصودة؛ لأن جملة: {قَالُوا} مقيدة بظرف هو: {إِذَا} وتقديم الظرف يفيد الاختصاص، والمعنى أنهم يقولون: {إِنَّا مَعَكُمْ} في حال خلوهم بشياطينهم فقط، فلو عطفت جملة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على {قَالُوا} للزم أن يكون استهزاء الله بهم مختصًا بذلك الظرف لإفادة العطف تشريك الجملتين في الاختصاص به وهو باطل؛ لأن المراد باستهزاء الله بهم هو مجازاته لهم بالخذلان واستدراجهم من حيث لا يشعرون، وهذا متصل لا يتقيد بحال خلوهم إلى شياطينهم، ولهذا ترك العطف لتنتفي المشاركة في الاختصاص بذلك الظرف.

والآخر: ألا يكون للجملة الأولى قيد زائد على مفهومها أصلاً، أو يكون لها قيد رائد قصد إعطاؤه للثانية.

وعلى هذا الأساس بين البلاغيون مواضع الفصل والوصل:

<<  <   >  >>