ولعل الشاعر قد لاحظ نكتة في هذا القلب، وهي الإشارة إلى كثرة السنن في زمانه، وأن البدع كانت قليلة، بحيث كانت خروجا على العرف العام في تمسك الناس بالسنة.
ومن التشبيه التخيلي قول الشاعر:
يا من له شعر كحظي أسود ... جسمي نحيل من فراقك أصفر
فقد شبه شعر حبيبته بحظه في السواد بيد أن وجه الشبه - وهو السواد - متحقق في الشعر متخيل في الحظ كما ترى، ومنة قول أمير الشعراء - في وصف الطبيعة: -
والياسمين: لطيفهُ ونقية ... كسريرة المتنزه السماح
فقد شبه الشاعر الياسمين في صفائه ونقائه، بسريرة المنزه السماح في صفائها ونقائها، بيد أن وجه الشبه وهو: الصفاء والنقاء متحقق في الياسمين متخيل في السريرة.
وقول يصف الطبيعة - أيضاً: -
وعلى الخواطر رقةٌ وكآبةٌ ... كخواطر الشعراء في الأتراح
فقد شبه الشعر "الخواطر" - وهى نوع من الزهر - بخواطر الشعراء في الأحزان في الرقة والسواد، غير أن وجه الشبه -وهو الرقة والسواد - متحقق في المشبه وهو خواطر الزهر: متخيل في المشبه به "وهو خواطر الشعراء".
وينبغي أن تكون على ذكر من أنه لا يجوز تشبيه المحسوس بالمعقول إلا على سبيل التخيل والافتراض، بأن تتخيل المعقول محسوساً وتفترضه أصلاً في وجه الشبه مبالغة وادعاءً.
كما أنه ينبغي أن تكون على ذكر من أنه لابد من وجرد وجه الشبة في الطرفين، سواء كان متحققاً أو كان متخيلاً، فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز أن يكون وجه شبه.
وعلى هذا فقولهم:"النحو في الكلام، كالملح في الطعام" لا يجوز أن يكون وجه الشبه كون القليل مصلحا والكثير مفسداً، ولكن وجه الشبة هنا هو: الصلاح إذا