لا يخفى مسيس الحاجة إلى مزيد العناية بشأن هذه اللغة الشريفة التي اختصت بمزايا ترتاح إليها النفوس الزكية والأحلام الراجحة وحسبها شرفاً مخلداً أنه قد ورد الذكر الحكيم وحديث أفصح من نطق بالضاد وأوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام، ولم يزل المولى سبحانه وسعدانه يقيض لهذه اللغة الكريمة من رجال العلم والأدب من يعني بضبط أصولها وفروعها وحفظ قواعدها وشواذها وبيان فصيحها وأفصحها مع التنبيه على ما يطرأ عليها من تحريف أو تصحيف أو تغيير وتبديل حتى بلغت العناية ببعض حفاظها من رجال السلف أنه بينما كان هائماً في بعض القفار هرباً من بأس الحجاج التقفى إذ سمع أحد فصحاء العرب من الثقات الإثبات يقول مات الحجاج ويتمثل بهذين البيتين:
لا تضيقن في الأمور فقد تك ... شف غماؤها بغير احتيال
ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال
فقال ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً أبموت الحجاج الذي تخلصت من شره أم بسماعي هذه الكلمة (فرجه) بالفتح ممن يوثق بكلامه ويعتد به بعد أن طال ترددي فيها والتماسي للوجه الأفصح من هذه الوجوه الثلاثة (فتح الفاء وكسرها وضمها) فتأمل يا رعاك الله هذا التجرب في تلقي الكلمات العربية وقايس بين هذا الاعتناء وبيت التهاون الذي بلغ في زمانناً مبلغاً يقضى بالأسى والأسف ويكاد المرء ييأس معه من تصحيح الأغلاط المتداولة على الألسنة وتنفتح هذه اللغة الكريمة مما شوه وجوه كرائمها وأوشك أن يودي بنضارة محاسنها فترى بعضناً تعرض له الألفاظ العويصة والكلمات التي تستبهم وتستغلق عليه فيقدم على سردها ويلوكها بلسانه غير مبال بضبطها ولا مكترث بتحقيقها وربما كانت معاجم اللغة إلى جانبه وعلى طرق الثمام منه ولا يمنعه منها إلا تكاسله وإلقاؤه الكلام على عواهنه خطأ كان أو صواباً وقد أخذ هذا الداء يفشو وينتشر حتى سري إلى بعض الخواص الذين لا يتنازلون إلى كراجعة قواميس العربية فإذا وقع لأحدهم أشكال في لفظ أو التباس في كلمة طفق يكررها ويعيدها ويعرضها على لسانه كأنها أكلة يذوقها أو لقمة يتطعمها ثم يقول مثلاً الفتح عندي هو الصواب أو الضم أخف وأرشق أو الكسر الطف