للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حصل في إيطاليا من سنة (١٨٨٩) إلى سنة (١٨٩٣) أي في مدة خمس سنين (٥٦٩) انتحارا من جهة النساء وحصل في فرنسا في تلك المدة عينها (٥٨٦٩) حادثة أي أن فرنسا ينتحر فيها في كل سنة نحو (٢٠٠٠) امرأة وهو عدد ليس بالقليل لمن فيه ولو كانت هذه المعاشرة قبل الزواج تكفي لدوام الارتباط العائلي أو لتقليل الطلاق لكان الطلاق نادرا وقد رأيت أنه أخذ في الانتشار بسرعة مدهشة.

وهناك أمر جدير بالنظر وذلك أن النخوة الأدبية في أوروبا أرقى منها في مصر فإذا كان يسهل على جمهور من المصريين أن يروا بأعينهم مداعبة تحدث بين فاسق وفاسقة على قارعة الطريق فلا ينفعلون فإن مثل هذه المخازي في انجلترة وفرنسا مثلا مما لا يتصور حدوثه على مرأى المارين والجالسين ولا البوليس الموكل بحفظ الآداب فإذا شاع عندنا الاختلاط بين الرجال والنساء غلبت مبادئ الفساق على تصون الفضلاء وأصبحت بلادنا مسارح يمثل فيها الفجور عيانا. إن المصريين تساهلوا قليلا في أمر الحجاب فنشأ لديهم من أنواع الخناما لايغيب عن ذهن القراء فما من بيت في مصر الآن إلا ويجاوره أو يحاذيه بيت عامر بالخلاعة مقفر من الكرامة فيرى الراؤون الحال ولايزيدون عن الحوفلة والاسترجاع وهي من صفات العاجزين إن لم تصحب بالنخوة الحافظة لكرامة الجوار.

هذا اللين المتناهي عيب من عيوننا المعهودة ولا سبيل لشفائنا منه إلا بعد أجيال فإذا اختلط النساء بالرجال ونحن متلبسون بهذه النقيضة زاد الطين بلة وقضينا بأيدينا على البقية الباقية من الآداب.

أنا لست ممن يذهب إلى أن المرأة أميل من الرجال إلى الفسوق بل أنا ممن يعتقد أنها أقرب للطهر والكمال وأكثر تمسكا بأذيال العفاف من الرجل واعتقد من جهة أن الحجاب فيه شيء من الحبس لحريتها ولكن ما الحيلة إذا كان هو الضمان الوحيد لعدم الاختلاط الذي وراءه كل هذه الآفات وكم من الحياة من قيود وأغلال نضعها في أرجلنا مضطرين إذا كانت الحياة تقتضيها أو كان وراءها الخلاص من بلاء مبين.

أظنني قد أزلت شبهة أضداد الحجاب بهذه العجالة إن كان فيما يكتبون ما يصح أن يسمى شبهة وإن عادوا عدنا والله من ورائهم محيط.

متفرقات