خلق الله الإنسان في هذه الحياة ليعيش أبي النفس هني البال لا يغضي على أذى ولا يسكت على نقيصة يضم للشرف الغيرة وللشهامة المروءة والعفاف وبين أن صيانة الأعراض هي المنزلة الرفيعة وأن العناية بها أفضل ما يتطلبه الطالبون، وخير ما يسعى إليه الباحثون، ولو قيض الله لرجل أن يجمع أنواع اللذة والهناء وأتيح له أن يملك قناطير الذهب والفضة وأن يستمتع بأقوى أسباب الراحة في هذه الحياة وكان قليل الغيرة نزر المروءة والحمية لكتب في الأذلين الشعور بفظاعة الزنا يكاد يكون عاماً في جميع الطبقات إلا أنه يختلف قوة وضعفاً باختلاف مصدره والباعث عليه فمن كان مصدر آدابه محيطه فأحربه أن لا يثبت على مبدأ ولا يقف عند حد بل يتغير بتغير العادات والأحوال ومن كان مصدر آدابه الدين الذي شرعه الله على لسان رسله فلا شك أنه يدوم ولا يتبدل ما دام هذا الدين ثابتاً لم يحرم الدين الإسلامي شيئاً أعناتاً للناس وجلباً للضرر عليهم ولا لغرض أن يمتنعوا عن استعمال الطيبات وإنما حظر عليهم أن يأتوا ما فيه ضرر لهم، وتعذيب حياتهم ومن أشد ما منع وحرم البغاء (الزنا) لما فيه من الضرر الجلي والمفاسد الكثيرة إن ما تفعله العاهرات من إتيان هذا المنكر (الزنا) وجعله حرفة مخصوصة تسام كما تسام السلع هو من الأمور الفظيعة بمكان بالنسبة لما يترتب عليه من الضرر والفساد وضياع النسب وفقد الثقة بالأصول والإخلال بالصحة والآداب وتقليل النسل وإيقاع الشقاق في البيوت وإماتة الأخلاق وفشو الدياثة والقيادة والوصول إلى حالة تبكي منها الفضيلة ويموت معها الحياء.
كتبت مجلة الهلال الأغر مقالة في هذا الموضوع تحت عنوان منافذ جهنم نقتطف منها ما يأتي مع أننا مع احترامنا للتمدن الحديث نعترف بأن كثيراً من عوامله الملائمة لأمم أوروبا لا تلائمنا لاختلاف طبائعنا وسائر أحوالنا عما لأولئك وزد على ذلك أن هذه الرذيلة (الزنا) مكروهة ومحرمة شرعاً وعرفاً عند سائر الأمم قديماً وحديثاً والتاريخ أصدق شاهد على ذلك هذه شريعة حمورابي أقدم الشرائع المعروفة تقول إذا وجدت امرأة مع غير زوجها فالاثنان يوثقان ويطرحان في الماء.
وتليها شريعة موسى وهي تحكم على الزاني والزانية بالقتل وكذلك تقضي عليه شريعة ليكورغوس (٨٨٤ ق م) وكان السكسونيون القدماء يحرقون الزانية ويبنون فوق قبرها مشنقة يشنقون بها الزاني وكان كانوت يحكم على الزاني بصلم الأذنين وجدع الأنف سنة