للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[المعارف]

حالتنا تقضي أن لانغفل هذا الموضوع من العناية بالبحث فيه وفي برنامجه من حيث كونه ممهداً لنشر العلم الصحيح ومفضياً إلى توفير وسائله وتسهيل طرق تحصيله للتمسية ونحن نضم صوتنا إلى أصوات الصحافيين الذين لا يفتؤُن يصرحون بأن بث روح العلم هو أقوى سبب يكفل سلامة المملكة العثمانية ويضمن لها مستقبلاً زاهياً ويعيد لها نضارة العصر الذهبي المأموني الذي لم يزل يضرب به المثل حيث بلغ من مراتب الكمالات العلمية درجة تقطعت دون نيلها إذ ذاك أعناق سائر الأمم شاخصة الأبصار مع قياصرتها وأكاسرتها وعباهلتها تنظر نظر غبطة إلى ذلك الرقي الباهر ولسان حالها يقول (وأين الثريا من يد المتناول) ولا غرو فقد كان المأمون (٣) يستهين بالنفس والنفيس في سبيل العلم ويبذل لأجله كل مرتخص وغال_ولو كان يؤثر على ذلك شحن خزائنه بالأموال واحتجان المسجد والرقة (٤) لما خلدت له في بطون التواريخ ذكرى أياديه البيضاء في سبيل العلم ولا كان الدهر يردد ذكر آثاره الغراء مقرونة بالإجلال والتبجيل ولكان انطوى خبره مع أخبار ملوك اللهو واللعب ولله در القائل:

أنا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فأحكم على ملكه بالويل والحرب

أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا وهو برج اللهو واللعب

قد ثبت عند جميع الأمم أن نشر المعارف هو مدار الترقي ومناط النجاح ومن استقصى النظر في مجالس جميع الممالك ودوائرها وجد أن المختص منها بالعلوم والفنون هو أكثر انتظاماً وأقوى نهضة وأسرع ترقياً من غيره حتى أن الرجال الذين ينتخبون للمشاريع العلمية أعظم اقتداراً وحزماً وغيرة من سائر رجال الحكومة من حيث المجموع وقد أصبح فلاسفة الغربيين اليوم يقولون من أراد أن يقف على حقيقة أحوال كل مملكة فلينظر إلى معارفها بعد أن كانوا يقولون فلينظر إلى مقدار ما تستعمله من أنواع الجيد لأسلحة الجنود وبناء الأساطيل وسائر أدوات الكر والفر وآلات الهجوم والدفاع ومعدات المعارك والحروب ولا يخفى أنه ليس المراد من هذا إن الدول بأجمعها قد خضعت لكلمة الحق واستسلمت لأحكام العقلاء فلم يبق لها احتياج إلى اعداد ما تستطيعه من القوى لسحق بني أبيهم آدم بدليل أن حكومات الاستعمار لم تبرح تطحن البشر وتحصدهم حصداً في سبيل تمديد نفوذها إلى بلادهم وإدخالهم تحت سلطتها مع الضغط عليهم ضغطاً لا يسوغ العقل