يجب على العلماء نحو الأمة أمور ثلاثة (أولها) العمل بما علموا ليكون ذلك أدعى لقبول ما يأمرون به وإلا حارت الأمة بين أن تقتدي بأعمالهم أو أقوالهم وأحر بالعالم إذا أمر وائتمر ونهى وانتهى أن يقبل قوله ويعمل بإرشاده وإلا فهو (طبيب يداوى الناس وهو سقيم) قال الله تعالى: [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون] وقال عليه الصلاة والسلام: أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه. واستعاذ عليه الصلاة والسلام من أربع أولاها من علم لا ينفع. وقال صلى الله عليه وسلم: أن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون أنا كنا نقول ولا نفعل. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها التغليظ والوعيد الشديد لمن لم يعمل بعلمه على أن ترك العمل بالعلم داعٍ لنفرة الناس وأعراضهم عن الأوامر والنواهي ولله در القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
(الثاني) الإصلاح بنشر العلم والمعنى أن يكون القصد بالنشر القيام بما يجب عليه من إيصال أمانة العلم إلى مستحقيها من غير التفات إلى حب الشهرة أو أمل بنوال شيء من حطام الدنيا أو رغبة بالعظمة والتعالي إلى غير ذلك من شهوات النفس الأمارة (الثالث) الاجتهاد بإيصال هذه الأمانة (العلم) إلى أهلها. وأهلها كل محتاج إليها وجاهل بها وحائد عن طريقها. فينبغي السعي بكل الطرق الممكنة لتعليم الجاهل والأخذ بيد الحائد ليهدى الطريق الأقوم ولا يظن أن قعود العالم في كسر بيته وأجابته الناس عما يسألونه من أمور دينهم يكفي في أداء هذه الأمانة بل فاعل ذلك مقصر في وظيفته وربما استحق وعيد كاتم العلم لأن نشر العلم يفسر في كل زمان بما يلائمه ففي القرون الأولى حيث كانت البدع نادرة وروح الدين مستولية على الأفكار كانت إجابة السائل كافية في نشر العلم أما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه البدع وزاد شيوعها وأخذ مروجوها يبعدون بالعامة عن طريق فلاحهم بما يلفقونه لهم من الشبه التي تقف سداً بينهم وبين الدين وأوامره فيتعين حينئذ على