للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صلاح الأمة بالدين]

اعتاد كثير من أرباب الأقلام الشكوى من فساد الخلاق، وضياع الفضائل والكمالات، وموت العواطف الشريفة وتراهم يبالغون في الأسى والأسف على الحالة التي وصلت إليها الأمة من الوهن والتقهقر والخور والضعف من غيران يبحثوا عن معرفة السبب الذي نزل بالأبصار فغشاها وبالنفوس فدساها وبالأفكار فأوقفها، وبالفضائل فأجلاها، ليهتدوا على جرثومة العلل فيتذرعوا بالوسائل في إزالتها ويمهدوا السبل في استئصال شأفتها.

كاد هؤلاء الكتاب يبذرون روح اليأس في القلوب بكثرة ندبهم ونعيهم على الناس سوء حالهم وإنذارهم لهم وبيل منقلبهم، حتى ظل الواحد يتخيل أن دور صلاح الأمة قد انقضى، ونجم مجدها قدافل، بل ربما يقوم في فكرة استحالة النهوض من وهدة الانحطاط فيتأصل فيه فقد الآمال وترك صالح الأعمال والبعد عن الجد والارتياح إلى الكسل والانغماس في حمأة اللهو والعبث.

نسمع لهم كل يوم صخباً ولجباً، ليس لها تأثير في تعديل طبع، أو تهذيب نفس، مدعين أنهم دعاة الخير زعماء الإصلاح وهم مع الأسف يستصرخون فلا يلبون ويجأرون فلا يجابون ولم ذلك؟

لأنهم لم يفهموا سبب الانحطاط فيبينو للأمة طرق نجاحها ويسلكوا في تربية عواطفها مسلك الحكيم الناصح العالم بمكان الضعف والقوة ولكنهم بدل ذلك أخذ ينددون بعلماء الأمة وأمرائها وكبرائهم وجعلوا أهم مباحثهم التنقيب عن عوراتهم وكشف الغطاء عن مساويهم وما اجترحوا من المخازي حتى جردوهم عن كل مزية فضيلة فانتزعت الثقة بهم من قلوب العامة والخاصة ووقر في نفوس الناس أنه ليس لهم في أمتهم مرجع يرجعون إليه عند الحيرة ولا موئل يعتصمون به وقت الشدة.

لو بحث هؤلاء الكتاب بحثاً دقيقاً عن السبب الوحيد لما يشكونه من فساد الأخلاق وانحلال عرى العزائم وتراخي أواصر الروابط التي أفضت بالأمة إلى تأخرها لوجدوا (وايم الحق) الباعث لذلك هو الأعراض عن الدين وتعاليمه نبذ أحكامه ظهرياً.

نعم أن الأمة انحرفت عن الأخذ بالدين وتركت التمسك بآدابه وسننه القويمة ومالت مع الأهواء واسترسلت في الشهوات حل بها من الأحن والبلايل ما أضحت معه في حاجة شديدة إلى العلماء العارفين بأحوال الأمم وارتقائها ليأخذ بيدها نحو تلك الذرة العليا والمنزلة

<<  <  ج: ص:  >  >>