(بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول مشوهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم)
اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من القرناء السوء ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاخية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته وأول ذلك ظهور أوائل الحياة فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحاً ومخالفاً للبعض فصار يستحي من شيء دون شيء وهذه هدية من الله تعالى إليه وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهم بل يستعان على تأد \ يبه بحيائه وتمييزه وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن يأخد الطعام بيمينه وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه وأن يأكل مما يليه وأن لا يبادر إلى طعام قبل غيره وأن لا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل وأن لا يسرع في الأكل وأن يجيد المضغ وأن لايوالي بين اللقم ولا يلطخ يده ولا ثوبه وأن يعود الخبز القفاز في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث لا يرى الأدم حتماً وتقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ويمدح عنده الصبي المتأدب قليل الأكل وأن يجب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي طعام كان وأن تحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والأبريسم ويقرر عنده إن ذلك شأن النساء والمخنثين وأن