[وعشنا على بؤس]
ليالي أبلي من همومي وجددي ... لك الأمر لا تقوى على رده يدي
فما أرتجي والأربعون تصرمت ... ولا عيش إلا ينتهي حيث يبتدي
سكت سكوتاً لا يريك امتداده ... فلا خاطري باقٍ ولا الشعر مسعدي
ولا فيَّ من روح الشباب بقية ... ولست بمشتاق ولست بموجد
حزنت على الماضي ضلالاً ومن يعش ... كما عشت لم يحزن ولم يتجلد
ومالي منه خاطر غير أنني ... عدلت فلم أفتك ولم أتبعد
* * *
سقى الله دارات القرافة ديمة ... ترف على قوم هنالك هجد
تعود كل بؤسها ونعيمها ... وعشنا على بؤس ولم نتعود
أحن إلى تلك المراقد في الثرى ... ولو أستطيع اليوم لاخترت مرقدي
فأنزلت جسمي منزلاً لا يمله ... يكون بعيداً عن أعاد وحسد
وما يتمنى الحر في ظل عيشه ... تمر لأحرار وتعلو لأعبد
كأن بها وقراً على كل كاهل ... فمن يتكبد حمله يتكبد
لقد أتعبني، والمتاعب جمة، ... مسيرة يومي بين أمسي والغد
ألما يئن إن يستريح مجاهد؟ ألما يئن إن يبلغ المنهل الصدي؟
تزهدت في وصل المعالي جميعها ... ومن يطلبها كاطلابي يزهد
وبت تساوت في فؤاد مناهج ... تؤدي لخفض أو تؤدي لسؤدد
وإني في بيت صغير مهدم ... كأني في صر كبير مشيد
عفا الله عن قوم أتاني غدرهم ... فرب مسيء لم يسيء عن تعمد
وكم من نفوس يستطيل ضلالها ... ولكن متى ما تبصر النور تهتد
فزعت من الآمال باليأس عائداً ... إن تدنني منها اللبانات أبعد
فلا ترتعي مني بقلب معذب ... ولا تنجلي مني لطرف مسهد
فيا ريح إن يعصف بي الشجو سكني ... ويا غيث إن يضرمني الوجد أخمد
ويا ساكنات الطير في دولة الدجى ... أرى إن دعاك الصبح أن لا تغردي
لدي شكايات وأنت شجية ... فإن تستطيبيها لشجوك أنشد