للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الدين الإسلامي والتوحيد]

السمعيات

هذا هو القسم الثالث من مباحث علم التوحيد ونعني به المسائل التي لا يهتدى إلى معرفتها إلا من طريق السمع ولا يعتمد في اعتقادها إلا على الأدلة النقلية وإن كانت على وجه يستلزم محالاً في العقل كأحوال البرزخ وما يقع في اليوم الآخر من بعث وحشر ونعيم وعذاب وجنة ونار إلى غير ذلك مما نأتي على ذكر تفاصيله وشرح بيانه إن شاء الله تعالى.

من المقرر أنه ليس في وسع العقل الإنساني وحده أن يستقل في معرفة كثير من الأمور مثل المعاد الجسماني وأكثر أحوال الآخرة وبعض صفات الله تعالى ووظائف العبادات كما يرى في أعداد الركعات وبعض الأعمال في الحج وتقرر الجزاء لكل نوع من الأعمال في الدار الآخرة إلى غير ذلك مما لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة وجه فائدته ولا يخفى أن درجات العقول متفاوتة يعلو بعضها بعضاً لا سيما إذا لاحظنا أن لكل قوم مشهورات مخصوصة بهم مسلمة عندهم بل تكون لديهم بمنزلة البديهيات والحال أن غيرهم لا يسلمونها بل يردونها وكذا إذا لاحظنا أن النفس مسخرة للوهم وله استيلاء عظيم عليها حتى أننا نرى أن أكثر الناس يكونون منهمكين في أوهام باطلة مدة عمرهم فتشتبه على العقل المشهورات والوهميات بالأوليات وكذا نرى بعض الناس يستحسنون استعمال المسكرات لاجتلابها للسرور ويشتبه عليهم وما يلحقها من المفاسد والشرور من زوال الصحة الجسمانية وجلب الفقر والعار المهين بين الناس فالتفويض في كل الأمور إلى العقل مظنة التنازع والتقاتل واختلاف النظام وتقويض دعائم العمران.

لهذا كان العقل الإنساني محتاجاًُ إلى نبي يهديه إلى معرفة ما ينبغي أن يعرف من أحوال الآخرة ويرشده إلى ما لا يستقل بمعرفته من تحديد أحكام الأعمال ويكشف له عن وجوه الشياء التي لا يدرك حسنها وقبحها ويكون بذلك مبرهناً على أنه يتكلم عن ربه عز وجل والذي يعلم مصالح العباد على ما هي عليه والحياة الآخرة وما أعد فيها مما هو مناط سعادتهم وشقائهم.

نعم لا بد من نبي يحدث عن الله تعالى بما خفي على العقول ويبين للناس ما لا بد لهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>