لا نتخيل أن أحداً من أهل الحق وعصابة السنة ينكر أن لله تعالى من صفوة خلقه رجالاً يختارهم في كل زمان ومكان من عباده المخلصين يصعدهم إلى مقامات سامية من الكمال الروحاني، ويحبوهم بهبات جليلة ومنح جزيلة لا تخطر على بال من لا يكون على شاكلتهم؛ ويفيض عليهم من نفحات قدسه وسبحات تجليات رحمته ما يسمو بهم إلى الاستطلاع على أسرار الملكوت والاستشراف على معالم الجبروت ويحدث على أيديهم أموراً خارقة للعادة من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة؛ وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وكلام أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي بحكم التبع لا بحكم الاستقلال كما سيتضح إن شاء الله تعالى.
وقبل أن نورد البراهين الدالة على إثبات وقوع كرامات الأولياء نأتي على بيان معنى الولي والكرامة تتميماً للفائدة وتوفية لحق الموضوع فنقول الولي في الاصطلاح هو الرجل الصالح الذي أدى أوامر الله واجتنب محارمه وتقرب إليه بالفرائض والنوافل حتى أشرقت عليه أنوار التجليات الإلهية وعبقت عنه فوحات الأخلاق الملكية وأصبح مثالاً يحتذي طريقته من أراد الكمال الصوري والمعنوي وقد ورد في الكتاب الكريم ما يشير إلى هذه المنزلة السامية قال تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}. وجاء في الكلام القديم ما يومي إلى أن من نال هذه المرتبة الرفيعة من القوة النظرية وهي الإيمان ومن القوة العملية وهي التقوى فإن الله يتولى شأنه ويسدده في أموره وينضر حجته قال تعالى {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ}، {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} فهذا كان يشعر بأن من تولى الله أي اتخذه ولياً تولاه الله وأفاض عليه من سبحات أنواره وإشراقات أنسه ما يجعله مثالاً للكمال بمعنييه ونموذجاً للفضيلة ينسج الناس عليه. وأما الكرامة فقد فسرها العلماء بأنها أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي ودعوى النبوة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح