رزأت دمشق بفقد نخبة من خيرة علمائها، وصفوة أتقيائها وفضلائها، فجلّ بذلك الخطب، وعظمَ المصاب، وحلت عرى الجلد، وهدمت دعائم الصبر، ولكن ما الحيلة وقد كتب الله الموت على خلقه، وقضى بذلك قضاءً حتماً على عباده، ولا رادّ لقضاء الله فاجئتنا الأيام وداهمتنا الليالي بفادحة عظيمة كورت ثلاث شموس من أفضل علمائنا المبرزين. بكى عليهم العلم والفضل وآسف عليهم الأدب والنبل. وهم الحسيب النسيب، شيخ الشيوخ في دمشق المعمر المدقق البركة الصالح الأستاذ الشيخ عبد الله الركابي الشهير بالسكري والعلامة المفضال سليل بيت العلم والمج، صاحب العفة والاستقامة الشيخ رضا الحلبي مفتي دمشق الشام والعلامة النبيل، آية الأدب والفضل، الورع الصالح، صديقنا الشيخ محمد أبي الخير الطباع مؤسس وصاحب المدرسة الوطنية بدمشق. وقد كان لموتهم رنة أسف عمت القاصي والداني، والقريب والبعيد. مصاب أدمى القلوب، وأجرى الدموع، وأسال الآماق وكأن لسان الحال يقول:
ولو كان سهماً واحداً لأتقيه ... ولكنه سهم وثانٍ وثالث
فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهنا يحسن بنا أن نذكر كلمة عن هؤلاء الأفاضل خدمة للعلم، وقياماً بواجب فضلهم عليهم من الله الرحمة والرضوان.
العلامة الشيخ عبد الركابي السكري
ولد رحمه الله سنة ١٢٣٠ للهجرة بدمشق وتلقى علوم الفقه والكلام والتفسير والأصول والحديث واللغة والنحو والصرف والبيان وغيرها عن إجلاء قادة، وهداة سادة، من أفضلهم العلامة العمدة البركة محدث الديار الشامية الشيخ عبد الرحمن الكزبري والعلامة المحقق المدقق رأس الفقهاء الشيخ سعيد الحلبي والعلامة المحدث المفسر الصالح البركة الشيخ حامد العطار والعلامة المتفنن الورع شافعي عصره الشيخ عبد الرحمن الطيبي فحاز قصبات السبق في المعقول والمنقول وصار مرجع أهل عصره، وانقطع للقراءة والإقراء والتأليف، وعُين مدرساً للبخاري الشريف تحت قبة النسر بين العشائين وخطيباً لجامع