خلق الله الإنسان ذا فكر وتمييز ومنحه من القوى والملكات ما يهيئه للتدرج في مدارج الكمال ويسوقه للتربع على منصات السعادة.
فهو أبداً يحب من الأمور أفضلها، ومن المراتب أشرفها، إن لم يعدل عن التمييز في اختياره، ولم يغلبه هواه في اتباع شهواته.
أولى ما اختاره الإنسان لنفسه، السعي وراء كماله وسعادته ولا يتأتى له ذلك إلا أن يكون مرتاضاً بالأخلاق الفاضلة متجافياً عن السفاسف الساقطة آخذاً في جميع أحواله بأسباب الفضائل عادلاً في كل أعماله عن طرق الرذائل ولا شبهة في أن الإنسان لا يعدم في سائر أحواله خاصة التمييز بين الفضيلة والرذيلة ولا يفقد صفة الانجذاب إلى الكمال حيث يراه، والنفوس وإن كانت تتفاوت مراتبها في هذه الخاصية وتتفاضل احساساتها في تلك الصفة إلا أن الكمال في ذاته قوة جذابة تؤثر في الفؤاد الإنساني تأثيراً يدفعه إلى اكتساب كل شيمة وفضيلة واجتناب كل خصلة رذيلة حتى يبلغ بتهذيب أخلاقه ودماثة شمائله شأواً سامياً يجعل له في سجل الكمال أثراً عظيماً، وفي حديقة المعالي صرحاً مشيداً.
نعم قد يوجد في بعض أفراد الناس من لا يقبل طبعه الأخلاق الفاضلة والشمائل السامية لسوء تربيته وعدم تهذيبه وتغلب الصفات البهيمية والشهوات الوحشية عليه فلا تهمه الفضائل ولا يبالي بما صدر عنه من ضروب الدناءة وأصناف الرذائل فتراه متسماً بالأخلاق المذمومة كالكذب والغش والخداع واللؤم والنفاق والغدر والاحتيال والخيانة والظلم وغير ذلك مما يطفئ نور الإنسانية ويشوش نظام الاجتماع البشري فمثل هذا يقضي حياته في تعاسة وشقاء وخسر وخذلان فهو ككتلة مادية ذات صورة إنسانية فلندعه وشأنه فإنه يصعب نجاحه ويعسر إصلاحه.
ولنوجه كلامنا إلى من يحس بمكارم الأخلاق ويتلهف للوصول إلى غايتها ويشعر بمحاسن الآداب فإنك تراه يدرك أن الفضائل عماد طيب حياته، ورغد عيشه وإن الرذائل أسباب شقائه وسوء حاله فهو مدفوع إلى قانون أخلاقي يميز به الرذيلة من الفضيلة ليتجلى عن الأولى ويتحلى بالثانية.
إن الأخلاق الفاضلة مناط سعادة الإنسان وهي أقوى عامل على تهذيب النفوس وتطهيرها من دنس الرذائل وأكبر دافع إلى التسابق لغايات المجد ومستوى الشرف، ثمراتها إعراض