حسبما وعدنا القراء الكرام نأتي هنا بكلمة تتعلق بتحريف هذه الأحرف اللثوية ليظهر كيف استدرجنا إهمال اللغة الفصحى إلى أن دفع بنا إلى ارتكاب تحريف الكلم عن مواضعه حتى في كتاب الله المجيد فشا تحريف هذه الأحرف في اللغة المحكية وتداولته جميع الألسنة وسرى عليها سرياناً عاماً لم تسلم منه كلمة تشتمل على شيء منها. فكأن الرأي العام أطبق على إعدامها كما جرى تنفيذه فعلاً على أن هذا الحكم الجائر قد شمل القاف أيضاً فأعدمها العوام عندنا واستعملوا عوضها الألف اليابسة الهمزة، وغنما قصرنا موضوعنا هنا على الحروف اللثوية لأنها هي التي دخل في تطرق الفساد إلى الكتب العلمية قراءة وكتابة.
فتراهم يستبدلون بالثاء سيناً وبالذال زاياً وبالظاء أيضاً زاياً غير أن هذه يفخمونها جداً ولقد طغى تيار هذا الخطأ حتى شمل جميع رجال الطبقات العلمية الذين وافقوا العوام في هذا اللحن وعملوا معهم على إماتة الحروف اللثوية. وهجروها من اللغة المحكية هجر القلى كما أنهم وافقوهم في كثير من الأغلاط المتداولة فتنازلوا إلى التفاهم بالسوقي المبتذل مجاراة للرأي العام وتظرفاً بين العوام. اللهم إلا قليلاً منهم توسطوا في الأمر وانتهجوا طريقة بين بين. وهؤلاء هم الذين يتخلل كلامهم كثير من الألفاظ الفصيحة، والجمل الصحيحة، فإذا خاطبتهم رأيت على كلامهم مسبحة من حسن الديباجة والطلاوة وهذه هي الطريقة التي استحسنها السيد (البطليوسي في (الاقتضاب) وحض الأديب على العمل بها ومال إلى أنها هي اللائقة بأهل الفضل في تخاطبهم مع العوام ولو كان رجال العلم سالكين تلك السبيل لتحسنت اللغة المحكية ولتنقحت من سقطات كثيرة وربما كان ذلك من أكبر الوسائل لرفعها إلى درجة اللغة الفصحى ولكن مع الأسف نرى العمل جارياً بالعكس ولذلك غلبت علينا اللغة المحكية حتى صار أحدنا يتعمد الخطأ ويتقصد الغلط ويعير أخاه إذا استعمل فصيح الكلام وجرى على الأسلوب العربي فينبزه بالمتشدق المتفاصح ويلقبه بالمتنطع المتقعر كما أصبح إخراج الحروف اللثوية من مخارجها الأصلية معدوداً من المعايب والناطق فيها بالصواب مستثقلاً تمج كلامه الإسماع وتشمئز منه النفوس ولو كان هذا الخطأ المستظرف بزعم الزاعم منحصراً في اللغة المحكية لكان الخطب يسيراً غير أنه