له مّلّك ينادي كل يوم ... لدوا لليوم وأبنوا للخراب
تفنن الإنسان وبرع في العلوم والمعارف واتسعت دائرة فكره في الاكتشاف والاختراع، ووصل إلى حالة لولا الغلو لقلنا هذا منتهى الأمر، وهذه نهاية والإبداع، ذلل كما قال السيد المنفلوطي (كل عقبة في هذا العالم فاتخذ نفقاً في الأرض وصعد بسلم إلى السماء وعقد ما بين المشرق والمغرب بأسباب من حديد وخيوط من نحاس. انتقل بعقله إلى العالم العلوي فعاش في كواكبه وعرف أغوارها وأنجادها وسهولها وبطاحها وعامرها وغامرها ورطبها ويابسها. وضع المقاييس لمعرفة أبعاد النجوم ومسافات الأشعة والموازين لوزن كرة الأرض مجموعة ومتفرقة. غاص في البحار وفحص تربتها وأزعج سكانها ونبش دفائنها وسلبها كنوزها وغلبها على لآلئها وجواهرها. نفذ من بين الأحجار والآكام إلى القرون الخالية فرأى أصحابها وعرف كيف يعيشون وأين يسكنون وماذا يأكلون ويشربون. تسرب من منافذ الحواس الظاهرة إلى الحواس الباطنة فعرف النفوس وطبائعها والعقول ومذاهبها والمدارك ومراكزها حتى كاد يسمع حديث النفس ودبيب المنى اخترق بذكائه: كل حجاب وفتح كل باب) كل هذا فعله الإنسان ولكنه وقف بين يدي القضاء والقدر وقفة العبد الضعيف بين يدي القادر القاهر. ضؤلت قوته أما هذه القوة العظيمة وخمدت نار بطشه، وخانته أفكاره وتدابيره وأصبح ذليلاً خاشعاً، حزيناً كئيباً. يجهد نفسه في ابتناء الأبنية وزخرفتها ويعنى بتحصينها فيوسع نطاقها ويعلي شرفاتها، ويعظم أعمدتها حتى كأنه يود أن يجعلها في مأمن من الحوادث وأمان الكوارث ماهي إلا لمحة البصر حتى يأتيك أمر ربك فيجعل عاليها سافلها ويدمر ما ضخم من بنائها، ويذهب بعظيم سلطانها، ويجعلها كامس الدابر.
في مساء ليلة السبت الموافق لعشرة خلت من جمادى الأولى في الساعة الخامسة ليلاً بينما الناس ساهون لاهون. لا يدرون ما خبأته لهم يد القضاء والقدر إذ شاع في الحاضرة خبر شبوب النار (في سوق الحميدية) فارتاع القوم لذلك وهرعوا إلى مطلع النار وأجفى