للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلوب، باكي العيون فما كنت ترى إلا عويلاً شديداً، وصراخاً متتابعاً، وأشباحاً متفرقة تتراكض، ودخاناً متصاعداً يكاد يعلو قمة السحاب، والناس بين باك وحزين، ومستغيث ومغيث، ومرجع ومحوقل وراكض ومهرول ثم اندلع لسان النار وزاد لهيبها. وكان قد حضر دولة ملاذ الولاية، وقائد الفيلق الثامن وكثير من الأمراء والجنود النظامية ورجال البلدية والشرطة وآخرون معهم المطافئ العديدة، وبالرغم عن كل ذلك امتدت النار امتداداً عظيماً وساعد على ذلك كون الهواء زعزعاً. وعبثاً كان محاولة حصر الحريق دون أن يتجاوز محله. دام الحريق كل الليل وهو في امتداد وازدياد والناس حيارى باكين شاكين. وماذا يغني البكاء؟ وما عسى تنفع الشكوى؟ والقضاء حتم (والله غالب على أمره) ما طلع صبح يوم السبت إلا وقد التهمت النار معظم الأماكن والمحال.

ومجمل ما ذهب سوق الحميدية وسوق العصرونية بتمامهما وقسم من سوق باب القلعة وباب البريد وسوق الجديد ونحو ثلاثين داراً من زقاق البوس وكانت شظايا النار تعلو في الجو على أجنحة الهواء ثم تقع فتصيب بعض البيوت حتى خيف على الجامع الأموي الشريف فأجريت الاحتياطات اللازمة وهدم لهذه الغاية سقف سوق المسكية الذي ينتهي إلى الجامع المذكور.

مساكين أصحاب الحوانيت، مساكين أصحاب الأرزاق، مساكين شيوخهم وشبانهم حاضروهم ومسافروهم نائموهم ومستيقظوهم، أطفالهم ونساؤهم أحبابهم وأصحابهم. مساكين أهل الحمية والغيرة، مساكين رجال الحكومة مساكين أهل الحل والعقد فيها عملوا ولكن ماذا يفيد العمل؟ والقدر لا يغني عنه الحذر (والله يحكم لا معقب لحكمه) سوق الحميدية عروس دمشق وأجل أسواقها وسوق العصرونية سوق عظيم والدور التي حرقت من أعظم دور البلدة وأكبرها والمطابع التي انقرضت من أمهات مطابع البلدة والمدارس التي هدمت يعز على كل عاقل تهدمها. وقد قدر العارفون الخسارة بما يقارب مليون ليرة. والوطأة شديدة حتى على الأغنياء. سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد ولك الشكر قضاؤك حكم وقدرك حتم لاراد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ولا حول ولا قوة إلا بك. مئات من الحوانيت وعشرات من المخازن الكبيرة وقريب منها من البيوت العظيمة كانت مساء يوم الجمعة كعروس ترفل في ثيابها زينتها فما أصبح عليها صباح يوم السبت إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>