كتب أحد الضباط الألمان الخبيرين في جريدة (اللوقال إنجايكر) مقالة وصف فيها مناعة الدردنيل وقوة حصونه واستحكاماته وقد نقلتها إحدى الصحف التركية عن الجريدة المذكورة فرأينا أن نعربها للقراء قال الضابط:
مازلت إلى الآن أستغرب إمكان عزم إيتاليا على إرسال أسطولها لمهاجمة الدردنيل والعبور منه إلى الأستانة ذلك لأني أعد عمل إيتاليا هذا جنوناً وجهلاً لا يغفرهما لها الفن الحربي الحديث وهاك البرهان على ذلك:
الدردنيل هو عبارة عن مضيق خُلق لأن يكون معقلاً حربياً طويل المساحة كثير التعاريج فهو ضيق بكل معنى الضيق بحيث لا تتجاوز مساحته بين الساحل والساحل الآخر أكثر من ٧٠٠ متر (كذا) إلا في بعض المحلات بداخله أي بعد ساعة تقريباً من مدخله فإنه يتسع بعض الاتساع.
وكأن الطبيعة قد جهزته لأن يكون معقلاً منيعاً لوجود الهضاب البسيطة في الساحل الشرقي والجبال العالية في الغربي الأمر الذي يساعد على الحركات العسكرية في الجهة وعلى إحكام مواضع الحصون أو المدافع في الجهة الثانية.
والدولة العثمانية لم تهمل هذا الموقع الطبيعي بدون أن تحصنه بل اهتمت له كل الاهتمام واستفادت من وضعية ذلك المضيق فائدة عظيمة فوضعت فيه (الطوابي) والقلاع الخفية المنيعة تحت الأرض وفي رؤوس الجبال. وجهزتها بأقوى المدافع وأكبرها وجعلت تحصينها على شكل أنه كلما تعطل معقل أو حصن قام مقامه آخر وتبقى هذه السلسة إلى مسافة ساعة في داخل المضيق.
ولا يمكنني أن أقدر عدد (الطوابي) التي وضعتها الدولة العثمانية في هذا المضيق لأن ذلك من أسرارها العسكرية التي لا تبوح بها لأحد إذ من المؤكد أنه يوجد طواب وقلاع خفية لا تدركها الأنظار ولا يعلم موضعها إلا نفس الأركان الحربية العثمانية فقط.
إنما الذي يلاحظه كل داخل إلى الأستانة ويمكنه أن يراه بالعين المجردة ما يقارب ٢٢ (طابية) ومعقل وكل طابية وضع فيها ٦ مدافع ضخمة عيار كروب التي مقياس كل مدفع منها ٢٨ أو ٣٠ سنتمتراً هذا عدا عن قلعتي (كليد البحر، وسد البحر) الواقعتين عند مدخل الدردنيل فإن هذين الحصنين يحتويان على مدافع كبيرة هائلة من عيار المدافع التي توضع