سبق لنا أن قدمنا للحكومة النصائح المتعددة وبينا الفوئد التي نجمت عن إبطال محل المومسات (المرقص) وطلبنا إليها أن تحسم هذا الأمر حسماً باتاً باستابتهن أو نفيهن ولكن كل هذه النصائح لم تؤثر التأثير المطلوبة فإنا لا وزال نسمع أن الحكومة تفكر في إيجاد محل لهن وذلك بإيعاز بعض المفسدين المتفرنجين الذي يصدق عليهم قول الله سبحانه (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) وشبهتهم في ذلك أن إبطال المرقص قد أضر بالحرائر من وجهين الأول اختلاط المومسات بينهن وما ينشأ عنهن من إفساد أخلاقهن والثاني تحرش الزناة بالحرائر فإنهم لما لم يجدوا محلاً يذهبون إليه يأتوا إلى الحرائر فيراودوهن عن أنفسهن وقلنا أن كلا الوجهين خطأ ظاهر وليس إلا من الوهم ووساوس الشيطان.
أما اختلاطهن بالحرائر فليس له محل إلا الأسواق ومن كان يمنع المومسات عن النزول إلى الأسواق والاختلاط بالحرائر من قبل؟ بل كان الاختلاط أكثر لأن المومسات كن أضعاف ما عليه الآن لأن أكثرهن قد سافرن لعدم رواج فحشهن بسبب عدم وجود المحل فكن ينزلن إلى الأسواق ويغازلن الرجال وإذا سنحت لهن الفرصة بالاجتماع بالحرائر سهلن لهن سبيل الخروج على ازواجهن وتواعدن على الاجتماع في محلهن المرقص. أما الآن فليس محل يتواعدن للقاء فيه. أما تحرش الزناة بالحرائر فإن الزاني إذا كان له محل خاص يقدر أن يؤوي فيه الزانية فلا يؤثر فيه وجود المرقص أو عدمه فهو يتعرض لمن يقدر على استمالتها إليه فهذا يجب علينا أن نطالب الحكومة بتعقيبه لأن القانون يمنع مثل هذا العمل. وإن كان الزاني لا محل له فلا يراود امرأة عن نفسها سواء أكانت حرة أو زانية لأن عدم المحل له تأثير كبير في تقليل الزنا فترى الرجل الفاجر يضيق ذرعاً ويتمزق غيظاً حينما يشاهد الزانية تطاوعه على قضاء شهوته ولا يجدان محلاً يلجآن إليه فلا هو يقدر أن يدخلها بيته لأن عائلته وجيرانه يقيمون النكير عليه وليس لها بيت تأخذه إليه للسبب نفسه فلا يلبثان أن يتفارقا وقد كاد أن ينقطع أملهما من العودة إلى مثل هذا العمل فظهر مما تقدم أن هذه الشبه لا يصح التمسك بها بل هي حجة عليهم لا لهم.
بقي الذين تربوا على الزنا وفشت فيهم هذه الفاحشة وقد منعوا منها بسبب إبطال المرقص فيظهر أن هؤلاء هم الذين يعجزون الحكومة ويطالبونها بإرجاعه ويصورون لها ضرر