قرأت في الجزء الثاني من المجلد الثالث من مجلتكم الغراء مقالة تحت عنوان الطلبة والتعيش لصاحب الإمضاء الشيخ صلاح الدين أفندي الزعيم فحمدت غيرته وشكرت سعيه وعن لي أن أكتب في هذا الموضوع ما دار في خلدي وسنح ببالي وطالما كنت أترقب كتابة ترتاح إليها النفوس وتنشرح لها الصدور تشرح ما آل إليه أمر طلبة العلم الشريف من الذل والهوان وما يعاملون به من الخسف والضيم حتى أنهم أصبحوا كالقذى في أعين جهال هذه الأمة لاسيما في أعين شرذمة رعناء طبع الله على قلوبها وأصم آذانها عن اتباع الحق فخاضت غمار الجهل وجالت في ميادين التهور حتى ضلت وأضلت، تنصلت من الدين ومرقت من الأخلاق مروق السهم من الرمية تجردت من المدنية الحقة، تمادت في غيها، وفقدت الشعور والعلم والأخلاق نعم درست مبادئ الفنون فحفظت جملة خالية من الحقائق وألفاظاً عارية من المعاني اكتفت بالقشور عن اللباب وقامت تموه على أمتها بمقالات تنشرها على صفحات الجرائد تلك شرذمة طرأ على مسامعها ذكر أوروبا فلم تلبث حتى تعشقتها ولهجت باسمها ونهجت مناهجها القولية السافلة ودأبت على تقليدها بالبذخ والإسراف واقتفت أثرها باستباحة الأعراض ودناءة الأخلاق والتجاهر بما يغضب الخالق ويسيء المخلوق وتعمدت اقتراف الرذائل باسم الحرية والحرية الحقة بريئة مما تنسبه لها يفكرون بسياسة خرقاء لا جدوى بها ولا فائدة منها سوى الشقاق والنفار وإلقاء بذور التباغض والتدابر والتحزب والتفرق بما توحيه إليهم شياطينهم شياطين الفساد. جنوا على الملة والوطن جنايات لا تغتفر لأنهم لقنوا الناشئة محبة أوروبا ولقحوا أذهانها من أفكارهم الخبيثة فأصبحت بعد ذلك لا ترى أعظم وأجل من أوروبا وأخذت تنظر إلى الدولة والوطن نظر العدو لعدوه لا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار حتى تيمم بلاد أوروبا من صباهم فشبوا عليها وشابوا بهواها ولأجلها تبرؤا من أمتهم ومقتوا أوطانهم وبغضوا أهلهم حتى أن أحدهم يسب والده الذي ألقى نطفته في الشرق ولم يجعلها في الغرب. نظروا إلى علمائهم نظر الخصم الألد فجعلوا يصمونهم تارة بالحشوية وحيناً بالجامدين وطوراً بالخاملين وإلى غير ذلك فهم لم يعملوا بما تعمل به أوروبا ليعدوا من ابنائها ولم ينهجوا مناهج أبناء وطنهم لينتظموا في سلكهم فأمسوا مذبذين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
هم المفرطون بمساعيهم والمتغالون بمذاهبهم ومشاربهم فلو أنهم اتخذوا العدل مذهباً