تحل بنا المصائب، وتنتابنا النوائب، وتتقاذفنا البلايا من كل جانب، تعبث بنا الأيدي الأجنبية، وتتداخل في شؤوننا، وتستعمر أكثر بلادنا، وترمي العداء فيما بيننا، وتجعلنا شيعاً وأحزاباً وتخدعنا بزخرف أقوالها، وكاذب وعودها، حتى تحصل على مبتغاها منا تدفع بعضنا ليسحق البعض الآخر فنقتتل ونتطاحن بالسيوف فتهلك الرجال وتخرب البلاد، تستنزف ثروتنا، وتقبض على زمام تجارتنا، وتزيف صناعتنا، وتفسد أخلاقنا، وتنتهك حرمات آدابنا، وتميت عاطفة أولادنا، ووطنية شبابنا، وتجتهد في إضعاف شوكتنا، والحط من كرامتنا، ومحو تعاليم ديننا تحاربنا بجميع أنواع الحرب، وتقتل شيوخنا وصبياننا، وتقذفنا بقذائفها وترسل علينا من نار بوارجها ونحن غافلون. فإلى متى يدوم هذا الحال؟ هذه إيطاليا على ما يعلمها العالم أجمع من الخسة والدناءة والهمجية ناصبتنا العداء، وأعلنت الحرب علينا لتضم إليها ما بقي بأيدينا من البلاد الإفريقية التي فتحها بأجمعها أسلافنا الكرام فسلبت وقتلت وفعلت ما تسيل الدموع لمجرد وصفه. كل هذا ونحن ساهون نناصب بعضنا العداء، ونسعى في تفريق كلمتنا، وتشتيت شملنا. ما هذا الاختلاف أيها القوم؟ ما هذا التباغض أيها الناس؟ إلى متى ينتهي أمر هذه المناوآت؟ إلى متى ينتهي حبكم لطلب الوظائف والمرتبات؟ ماهذا التنافر والتخاصم؟ ألم يكفكم ما حل بنا؟ ألم يكفكم ما وصلنا إليه؟ ألم يبلغكم أن العدو ليس على أبوابنا بل دخل دورنا وحلَّ بأرضنا؟ ألم تسمع آذانكم ما حل بإخواننا البيروتين؟ ألم تنفطر قلوبكم أسى عليهم؟ قتل بعض شبانهم، وهدمت بعض أبنيتهم، وملأ الرعب قلوبهم وسالت الدموع من آماق أطفالهم ونسائهم. إن حادثة بيروت أكبر مؤدب وأعظم باعث لنا على الاتفاق ونبذ الشقاق. إننا بدموع الآسف نذكر تلك الحادثة المؤلمة (حادثة بيروت) وقلوبنا تنفطر حزناً على ما حل بأهلها. إن أهل دمشق لما بلغهم هذا الخبر المؤلم هلعت قلوبهم، ووجفت نفوسهم، وظهر على وجه كبيرهم وصغيرهم علامة الكآبة والحزن، وفي مساء اليوم الذي وصل به الخبر وما بعده كنت ترى الناس على اختلاف طبقاتهم ألوفاً مؤلفة يؤمون محطة القطار (البرامكة) ينتظرون مجيئه من بيروت ليستطلعوا طلع الخبر. حدث مشاهد للواقعة في بيروت أن الناس أصبحوا صباح