أطبق علماء الاجتماع والعمران، على أن احتفاظ كل أمة بلغتها مما يضمن لها حفظ حسبها ومجدها، وبقاء ميزاتها بين سائر الأمم وهي العلاقة الوثيقة التي تجمع بين أفراد الأمة مهما افترقوا وتباعدوا ومهما اختلفت آرائهم وتباينت أهوائهم، ومن أمعن النظر في أسرار الجامعة اللغوية، ظهر له فضل هذه الحكمة العمرية التي كتب بها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري وهي قوله له (خذ الناس بالعربية، فإنها تزيد في العقل، وتثبت المروءة).
فإن العربي المطلع على كنه لغة قومه باستقراء أشعارهم وأمثالهم وتتبع حكمهم، وسائر أوقالهم، يعرف بذوقه العربي ما كانوا عليه من الأنفة والإباء، والشهامة والذكاء، وسمو المدارك والأفكار، وسائر مكارمه ومأثر أخلاقه، من سعة الصدر والسماحة والوفاء بالعهد والتزام الصدق. وبذل النفس والنفيس. في حماية الجار والمستجير. وإغاثة الملهوف والمتصرخ. مع الحذق في الفراسة. والمهارة في الفروسية والشجاعة. التي كانت تقلل في عيونهم جحافل الأعداء. وكتائب العاديين مهما بلغت عدداً وعدداً وماذا عسى أن أسرد للقراء مما يمكنهم أن يستنبطوه من خلال كلمات العرب وغضون عباراتهم من المناقب والمفاخر التي لم تذل تتناقلهم الأمم، جيلاً فجيلاً، وكابراً عن كابر ولولا هذه اللغة المجيدة لما ظفرنا بشيء من آثار تلك الأمة النجيبة التي أصبح تاريخها آية كبرى، وأكبر موعظة وذكرى، ولأن كان في كتب المؤرخين مجال لدعوى الارتياب في الحقائق التاريخية فلسان العرب المشتمل على كلامهم الجذل البليغ، أصدق شاهد ينبئ عما انطوت عليه تلك الأيام من الوقائع المأثورة التي (لها غرر مشهورة وحجول).
وأما فصاحة هذه اللغة واتساعها، فمما لا يتمارى فيه اثنان، ولا يمتطح فيه عنزان، ولذلك قيل أن الحكمة تنزلت على ثلاثة أعضاء من أهل الأرض، ألسنت العرب، وأدمغة اليونان وأيدي أهل الصين، فالعربي الصحيح هو الذي إذا نطق أراك السحر الحلال، وأجرى