سلك علماء التوحيد طريق الاستدلال على إثبات الوجود له تعالى وأن كان وجوده سبحانه مركوزاً في فطرة الإنسان كما قدمنا حسماً لمادة الشبهات التي طرأت على العقائد الدينية. الناشئة من الجهل والزيغ عن الهدى والطريق المستقيم أن المتكلمين وغيرهم وأن اختلفت مناهجهم في تقرير الأدلة على وجود الخالق جل وعز وتفاوتت بحسب الصورة مسالكهم انتهوا جميعاً إلى نتائج اتحدت في الأبحاث والإثبات.
لكن منهم من سلك في بحثه مسالك الصراحة والوضوح فاستجلى أمام سامعه حوادث الكون. ومعاهد آثاره البديعة. وجال بفكره في مناحيه جولة المفكر الباحث. فرأى أنه لاشك في وجود واضع لهذا النظام البديع. وموجد لهذه الأشياء يمسكها بقوته. ويمدها بحوله ورحمته (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا أن امسكهما من أحد من بعده). ثم أنه قوى برهانه هذا ببرهان تاريخي. فاستعرض لذلك الأمم وشيوع تلك العقيدة بينها جيلاً بعد جيل مع اختلافها في اللغات والأجناس. وتفاوتها في الفكر والعلم. فاتخذ هذا الإجماع أيضاً دليلاً قوياً على أن العقيدة بوجود الصانع حاجة من حاجات الروح. وغريزة من غرائز العقل. لا يمكن الإنسان أن يلفت نظره عنها إلا بعارض من النقص.
ولا ريب أن هذا البرهان لوضوحه. لا يعز إدراكه على أي عقل. ولا يعلو متناوله عن أقصر فكر. فهو أحسن البراهين أسلوباً. وأقواها على ذهن السامع تأثيراً. وأشدها لمقاتل الخصم إصابة.
ومنهم من سلك طريقة النظار. على سبيل الاستظهار. فجعل الدليل مرتباً على مقدمتين: الأولى (العالم حادث) والثانية (كل حادث لا يستغني في حدوثه عن سبب يرجح وجوده على عدمه) أما برهان المقدمة الأولى. فلأن العالم أعيان وأعراض. والأعراض يدرك تغير بعضها بالمشاهدة كالحركة والسكون. والظلمة بعد الضوء. وبعضها بالدليل وهو طريان العدم كما في أضداد ذلك وهو إمارة الحدوث إذ العدم النافي القدم. والأعيان يدل على تغيرها ملازمتها للأعراض الحادثة وملازم الحادث حادث.
وأما برهان المقدمة الثانية فجلي لأن كل حادث ممكن. والممكن لا يوجد بدون سبب ولا يعدم بدون سبب وإلا يلزم أن يكون أحد الأمرين متساويين راجحاً على الآخر بلا سبب وهو محال فجميع الممكنات بتمامها مفتقرة إلى موجد لها ولا يكون إلا واجب الوجود إذ لو