ليس في العالم من لا يستهجن تعدي دولة إيطاليا الغاشمة على جزء عظيم من أملاكنا بعيد عن عاصمة السلطنة ومركز القوة ووسائل الدفاع المستوفاة أتت تلك الدولة الجائرة لتستولي على هذا الجزء بدون أدنى مسوغ شرعي دولي فهب العثمانيون للدفاع عن حوزتهم وصيانة ممالكهم فقيض الله لهم من النصر والظفر ما يسطره لهم التاريخ بمداد الفخر وسيظلون مدافعين عن حقوقهم حتى يتسنى لهم تمام الظفر ويعود عدوهم صفر اليدين إلا من الخيبة والفشل والفقر وسوء الأحدوثة إن شاء الله تعالى.
وليس من غرضنا أن نذكر تفضيل تلك المواقع والانتصارات التي صارت معلومة لدى أكثر القراء إنما نريد أن نذكر شيئاً من فوائد هذه الحرب ونتائجها ومن العظة والاعتبار بها لأن الحوادث العظيمة وإن كانت مؤلمة قد يكون لها من الأثر الحسن ما يهون المصاب بها ومن العظة والاعتبار ما يكون درساً أخلاقياً مفيداً تستصغر معه خسارة الأموال وفقد الأرواح.
علمتنا هذه الحرب أنه ينبغي أن لا نعتمد إلا على قواتنا وأن الاعتماد على عهود الدول ومواثيقها ضرب من الأوهام فها هي الدول كلما أرادت اكتساح جزء من أملاكنا تضمن لدولتنا العلية أنها تحافظ على بقية أملاكنا وآخر حادث من هذا القبيل هو تعهد النمسا لما ضمت إليها ولايتي البوسنة والهرسك وما هذه العهود إلا تقييد للضعيف حتى تهدأ ثائرته ويطمئن جانبه أما القوي فمتى رأى الفرصة سانحة ينقض واجباً ولا يمنعه عن اعتدائه وتهوره إلا أسطول أضخم من أسطوله أو جيش أعظم من جيشه وإلا فما بالها بعد ما ضمنت سلامة أملاكنا في مؤتمراتها تسمح لإيطاليا أن تغير على ولاية آمنة مطمئنة تستبيح حماها وتنتهك حرمتها وتطمع أن تحصر أهلها وتقطع عنهم مورد الحياة، وهم في ذلك واقفون وقفة المتفرج كأنه لا يعنيهم وما بالهم وهم زعماء المدنية ومحبوا الإنسانية على زعمهم يسمعون قتل الشيوخ والعجزة والنساء والأطفال مما هو ممنوع في سائر الشرائع السماوية والوضعية ولم تحلم بعمله أعرق الأمم في التوحش في عصور الهمجية الأولى تسمع ذلك فلا ينبض لها عرق ولا تتحرك لها فكرة لمنع هذا العمل الفظيع إلا ما