للتربية المقام الأول في تهذيب النفوس وتنمية الملكات الفاضلة وتدميث الأخلاق وهي من أقوى العوامل على النهوض من عثرة النقائص. والصعود إلى مرتقى الفضائل. ومن أراد أن يعرف مستقبل أمة فليبحث عنه في أطفالها ومبلغ الاعتناء بتعليمهم وتهذيبهم. فهم عنوان المستقبل ومرآة ما فيه من سعادة وشقاء.
يولد المولود على الفطرة وفيه قوى خيرية كامنة مفتقرة إلى مرب عاقل عالم بطرق التربية الصحيحة ليظهر تلك القوى بأجلى مظاهرها الفخيمة ويهيء هذا الطفل لما خلق مستعداً له. وما كمون هذه القوى في الإنسان إلا ككمون النار في الحجر المحتاج في أن يري إلى القدح. فليس من العقل أن يترك الطفل وشأنه فتصدأ قواه السامية ومبادئه الشريفة وربما ذهبت تلك القوى ضحية الإهمال بتغلب رذائل الأخلاق المكتسبة عليها. أودع الله في هذا المخلوق (الإنسان) قابلية لاستحسان الخير واستقباح الشر وعقلاً هادياً إلى مواضيع الخير لتتبع. ومصارع الشر لتجتنب. فلا يبعد على من أحسنت تربيته ومهد له الطريق لاستعمال عقله فيما خلق مستعداً له من مراتب الكمال أن ينشأ إنساناً كاملاً. بل ملكاً كريماً تسعد به أمته وقومه بل جميع بني جنسه. كما لا يبعد على من تركه بدون تربيه وزج به في هذا المجتمع الحافل بالعادات السيئة والأخلاق السافلة أن تخنق فيه تلك الفضائل الكامنة ويستولي على أمكنتها الكثير من أضداد تلك المزايا ونقائض تلك الفضائل.
وقد اعتاد أكثر الناس حتى الطبقات العالية أن يتركوا أطفالهم غفلاً من العناية بالتأديب والتهذيب ويزعمون أن هذا الإهمال من باب الاتكال ويقولون: نرى كثيراً يعيشون ولا أولياء تهذبهم سواء طريق الخير، وتنكبهم طرق الشر، ثم ينشئون مهذبين مهديين إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وآخرين اعتنى بتأديبهم واحتيط لتهذيبهم ثم نشأوا فاسدي الأخلاق سيء الطباع ويحفظون من الشواهد على هذه الدعوى ما يظنونه مبرراً لعملهم الذي لم يكن منشؤه إلا الكسل وضعف الرأي وفاتهم أن الاتكال في عرف الشارع هو تعاطي الأسباب وعدم الاعتماد عليها. وأن ما يشاهد من نبوغ المهمل وفساد المعتنى به ليس إلا نادراً بالنسبة لضده. والعاقل لا يتكل على الصدف بعد العلم بالأسباب الموصلة للمقصود وليس المرء معذوراً في أن يسلك مفازة محفوفة بالمخاطر وهو أعزل مع قدرته على أن يكون شاكي السلاح آخذاً بالحيطة ولم ذلك المتهوس يترك حبل ولده على غاربه