قلما ترى أحداً من العقلاء المفكرين غير شاكٍ مما آلت إليه حالة المسلمين اليوم من الضعف بعد القوة، والذلة بعد العزة، والضعة بعد الرفعة.
وكلهم مجمعون على أنه لم يحل بهم ما حل من ضروب الهوان إلا لما طرأ عليهم من فساد الأخلاق والتهاون بأمر الدين، معتقدون أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم حسبما نطق به الكتاب العزيز.
ولكن ماذا تجدي الشكوى وما يغني التذمر إذا كان ذلك لا يتجاوز أطراف اللسان ولا يظهر منه إلا الثرثرة والشقشقة والإغراق في بيان سوء الحالة التي وصلنا إليها والتكهن بالنتائج الفظيعة المهلكة.
إنما الواجب على عقلاء المسلمين وعلمائهم وخاصتهم ومفكريهم أن يشخصوا الداء ويلتمسوا له الدواء الناجع وينهضوا بهذه الأمة إلى مستوى الأخلاق الفاضلة الكمالات الراقية ولا يتركوا وسيلة للوصول إلى هذه النتيجة السامية إلا استعملوها سواء كان بنصح الحكام ودلالتهم بالمعروف إلى طريق الخير ليسلكوها ومزالق الشر ليتجنبوها وحملهم على إزالة المنكرات الشرعية ومجازاة مرتكبيها أو بتأليف الجمعيات للوعظ والإرشاد وبيان ما طرأ على الدين من البدع التي كادت تشوه محاسنه وتضر بسمعته والحض على الاتفاق والوفاق ونبذ الشقاق وتوحيد المقاصد نحو ما يعلي شأن المسلمين في دينهم ودنياهم وأخلاقهم إلى غير ذلك.
من ينكر أن المسلمين أضحوا في فقر وفاقة وتأخر في جميع مقومات الحياة عن جميع الأمم الناهضة.
كانوا فيما سلف مثال الفضيلة والكمال والأخلاق العالية حتى تمكنوا في زمن غير طويل من القبض على أزمة أكثر الأمم في العالم فاطمئنوا لذلك وغفلوا عن تعهد ما به كانت رفعتهم وارتقاءهم وأهملوا واجبات دينهم فأخذهم الله بذنوبهم.
فشا فيهم فساد الأخلاق فكثر الكذب وشاعت الخيانة وعم التحاقد والتباغض وتفرقت الكلمة وصارت منكرات الشرعغ القطعية من العادات المألوفة ولا رادع ولا زاجر.
أضحى المسلمون من الضعف على حالة تذوب لها القلوب أسفاً، تراهم فرقاً واشياعاً لا جامعة تضمهم ولا عصبية تؤلف بين قلوبهم جعلوا بأسهم بينهم والأمم من ورائهم تبتلعهم