لما أظلتنا أوروبا بمدنيتها الحديثة وبمعارفها وعلومها ومستحدثاتها ومخترعاتها اغتر بزخرف تلك المدنية الساحرة فريق من عشاق المظاهر وعبدة الأوهام ظنوا أن كل ما تأتي به أوروبا حسن لذاته ومفيد للهيئة الاجتماعية وواجب على جميع الأمم والشعوب أن تقفوا أثرهم به لتصل إلى أوج السعادة والكمال.
تمكن منهم هذا الغرور تمكناً ملك عليهم مشاعرهم حتى صار الأمر المحمود في الشرع الذي يدينون به مذموماً في عرفهم واعتقادهم لأن أوروبا رأت أنه غير نافع لها في مدنيتها الحديثة.
من ذلك حجاب المرأة. ولا يمتري ذو مسكة من العقل بما لحجاب المرأة من الفوائد التي من أهمها حفظ الأنساب وقد جاءت مشروعيته في كتاب الله وسنة رسوله على أبلغ وجه ومضت الأيام والسنون والاتفاق على استحسانه سائد ومطابقة العقل للنقل فيه محكمة وثيقة لذلك لا نعلم أن أحداً من علماء الإسلام وأئمتهم على مدة ثلاثة عشر قرناً ارتأى أن الحجاب الشرعي مضر بالنساء وأن ابتذال المرأة وخروجها من صيانة الحجاب نافع لها ومرق لأخلاقها إلى أن داهمتنا تلك المدنية التي زحزحت كثيراً ممن لم تتمكن عقائد الدين من نفوسهم عن جادة الحق والشرع فكان من جملة ما منينا به من نوائب هذه الشرذمة الجاهلة أن قام من يقول بضرر الحجاب بل وعدم مشروعيته وبوجوب تقليد أوروبا بهذه المسألة الخطيرة وتحرير المرأة من قيودها الثقيلة ومزاحمتها للرجل في ميادين الأعمال.
لا حجة لهم في استحسان ما ذكر والاعتقاد بوجوبه سوى أن أوروبا عالمة به وهي مترقية والغريب في ذلك أن بعضاً من متطرفة المغرورين يرى أن كل رقي نالته أوروبا كان بسبب ابتذال المرأة وأن رقينا موقوف على ذلك لا محالة.
وقد كنا كتبنا في السنة الأولى من الحقائق رداً ضافياً على الزهاوي في هذه المسألة وملحقاتها وأثرنا عن حضرة العالم الاجتماعي الكبير محمد فريد بك وجدي ما يتوقعه فلاسفة العمران في أوروبا من انهدام عظمة أوروبا بيد المرأة إن لم يمكن إيقافها عند حدها ونقلنا ما ذكره حفظه الله من كلام المسيو (جان فينول) مدير مجلة المجلات وغيره بهذا