كنا كتبنا في هذا الصدد نبذة عن طرابلس الغرب وبرقة وقد رأينا الآن في المقتطف الأغر شيئاً عن السنوسيين أحببنا أن نثبته في مجلتنا لما سيكون لهم من الشأن في الحرب القائمة الآن بين الدولة العلية وإيطاليا. قال ينسب السنوسيون إلى زعيمهم الأول السيد محمد بن علي بن السنوسي الخطَّابي الحسني الإدريسي المهاجري وهو من قبيلة ولد سيدي عبد الله ويتصل نسبه بالحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب. ولد سنة ١٢٠٥ للهجرة وقيل ١٢١٧ في مستفانم من أعمال الجزائر ونشأ بها وطلب العلم بمدينة فاس ولما بلغ الثلاثين من عمره ارتحل عنها وأخذ يجول في الصحراء إلى الجنوب من الجزائر يعظ الناس ويحثهم على الصلاح والتقوى. ثم سار إلى تونس وطرابلس وبرقة ومصر وانتقل من مصر إلى مكة فلقي بها السيد محمد بن إدريس الفاسي المشهور بالعلم والصلاح وأخذ عنه الطريقة الصوفية فبرع فيها وأذن له أستاذه بإعطاء العهود وتلقين الذكر فبنى زاوية بجبل أبي قبيس قرب مكة وأقام فيها زمناً. ولقي في مكة محمد شريف من أمراء ودّاي وكان قد قدمها حاجاً فتمكنت عرى الصداقة بين الاثنين وصار محمد شريف من أشد أنصاره فيما بعد. وسافر من مكة إلى نجد ولقي بها علماء الوهابيين فارتاب فيه علماء مكة بسبب ذلك وخاصموه. فلما رأى أن أعداءَه قد كثروا في مكة رحل إلى برقة سنة ١٢٥٥ وأقام في الجبل الأخضر وبنى فيه زاوية قرب درنة سماها الزاوية البيضاء وهي أو زاوية أنشأها في إفريقية وبقي في الجبل الأخضر سبع سنوات مشتغلاً بإقراء الحديث والفقه فطار صيته وهرع الناس إليه للأخذ عنه ثم سار إلى مكة وأقام فيها زمناً وعاد إلى الجبل الأخضر بطريق القاهرة. وكان محمد شريف قد صار سلطاناً على ودّاي والمكاتبة متواصلة بين الاثنين. أما الحكومة العثمانية فلم يرق لها النفوذ الذي وصل إليه السنوسي فأحس السنوسي بذلك وانتقل إلى واحة جغبوب على ثلاثين ميلاً من واحة سيوه وبقيت فيها إلى أن توفي في ٩ صفر سنة ١٢٧٦ ودفن هناك.
وخلفه ابنه الأصغر السيد محمد المهدي السنوسي وكان عمره أربع عشرة سنة فقام بنشر طريقته ومعه أخوه الأكبر السيد محمد شريف وعمره خمسة عشرة سنة وحولهما جماعة من المريدين يتولون أمرهما. ونال السيد محمد المهدي شهرة أبيه في الصلاح والتقوى فكثر مريدوه لاسيما في برقة وطرابلس وودّاي. وتوفى محمد شريف سلطان وداي سنة