كثر فينا القائلون، وقل الرجال العاملون، ولو دققت النظر لوجدت أن القسم الأكبر من هؤلاء العاملين لا نتيجة لأعمالهم ولا ثمرة لها يفرح أحدهم ببدائة العمل. ويهتم بإحداث المشاريع ولكن لا ينظر إلى المستقبل نظر من يريد أن يستفاد من عمله نعم قضي علينا معاشر العثمانيين أن لا نثبت في أمر ولا ندأب على عمل فكأنا خلقنا للأقوال لا للأفعال ولأحداث الأعمال لا لإتمامها. أين نحن ممن يداومون الأعمال، وينتهون الفرص لتحقيق المال، لا تزعزعهم الشكوك والاحتمالات، ويوقفهم التردد عن إدراك الغايات، أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم أحب العمل على الله أدومه ألف كثير في حاضرتنا جمعيات لأعمال ومنافع لو ثبت منها عمل واحد لرجونا أن نكون مع الفائزين. وفي مصاف الراقين، عدم الثبات في الأعمال، والتقلب من حال إلى حال، أعظم أمر أتى علينا فنال منا بل كاد يودي بحياتنا المدرسية يبتدئ أحدنا العمل بهمة وعزيمة فما هي الأعشة أو ضحاها حتى يأخذه الخور. ويعتوره الملل. فتذهب تلك الهمة، وتفتر شرة ذلك الاجتهاد كم من مؤلف لم يتم تأليفه، ومصنف لم يكمل تصنيفه. وأمير خلب العقول بكاذب وعوده وصحا في عاهد الله على أن يعمل لأمته. ثم كان عمله لنفسه وشهوته، وكم من جمعية نادت بالإصلاح ثم همدت، وأناس دعوا إلى خير الأعمال ثم كانوا أول المتبرئين منه.
مدارسنا والثبات
مدارس حاضرتنا على اختلاف أنواعها، وتغاير مقاصدها، لا تثبت على عمل. ولا تستقيم على حال، فهي بين التقلب والتحول دائرة. وبين التغير والتبدل سائرة. وها نحن نتكلم عليها بما نرى راجين أن نوافق لإصابة الحق وقول الصدق وأن لا نلام من جانب رؤوساء المدارس بمجاهرتنا بما نعتقد فكلنا ساع للفائدة راغب في الإصلاح.
المدارس الدينية
يدخل الطالب مدرسة دينية فيرى أحد شيوخها يقرئ كتاباً في النحو أوفى الأصول مثلاً فيعزم على الاستفادة يبتدئ لكن لا يكاد يمر عليهما بضعة أيام حتى يمل هو أو يمل الأستاذ وينالهما الضجر. ومن كان في ريب مما قدمنا فليسأل الشيخ أولاً عن ما ابتدأه من الكتب