ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
٦
أخبار القادسية
وصل رستم إلى القادسية بجيش ملأ تلك النواحي وكان معه ثلاثة وثلاثون فيلاً فنزل على العتيق بجانب عسكر المسلمين وركب رستم صبيحة تلك الليلة ونظر عسكر المسلمين حتى انتهى إلى آخرهم. فوقع الرعب في قلبه واستولى عليه الفزع فوقف على القنطرة ثم أرسل إلى زهرة وهو في مقدمة جيش المسلمين فأتى إليه فعرض رستم له بالصلح وقال له كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونحفظكم وجعل يذكر جميل صنيعهم مع العرب. فقال له زهرة إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما رغبتنا في الآخرة. وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولاً فدعانا إلى ربه فأجبناه ثم أمرنا أن ندعو الناس إلى دينه الحق. فقال رستم وما هو دين الحق؟ قال: الشهادتان وإخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله عز وجل والكل إخوان في ذلك. فقال رستم إن أجبنا إلى هذا هل ترجعون؟ فقال زهرة: أي والله. فانصرف عنه رستم ودعا رجال فارس وذكر لهم ذلك فما قبلوا فأرسل إلى سعد أن أبعث إلينا رجلاً نكلمه فبعث إليهم ربعي بن عامر فجاء على فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدود بعصب فانتهى إلى رستم وهو على سرير من ذهب وبين يديه النمارق والوسائد المنسوجة. فقال الترجمان لربعي ما جاء بكم فقال إن الله أمرنا أن نخرج عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وأرسلنا بدينه إلى خلته فمن انقاد له تركناه وأرضه ومن أبى قاتلناه حتى نفوز بالجنة أو الظفر. فقال رستم هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه. فقال نعم ولكن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نمكن الأعداء