علم الناس أجمع خبر ذلك الحادث المؤلم الذي بوغتت به دولتنا العلية ونعني به إعلان حكومات البلقان الحرب عليها، تلك الحكومات الصغيرة التي لا تبلغ نفوسها العشرة ملايين والتي كانت منذ نيف وثلاثين سنة من جملة ولايات الدولة العلية كما سبق بيانه فما زالت تسعى وتدأب وأوربا من ورائها ظهيرة حتى نالت استقلالها ثم قامت اليوم متفقة تجمع الجموع لمناوأتنا، وتحشد الجيوش لمحاربتنا.
قامت الحرب على ساق وقدم، واشتد لهيبها، وتطاير شررها، واهتزت لها الأرض ومادت، وأصبحت الأمة العثمانية بأسرها مضطربة لهذا الخطر المدلهم تود أن تبذل آخر نقطة من دمها في سبيل المحافظة على شرفها ومركز حكومتها - وكثير من رجالنا يطمعون الناس برحمة أوروبا، وينتظرون رأفتها وعدلها.
لا يخجل أحدهم يوم يتشدق أمام فئة من أترابه بقوله - أن أوروبا مرضعة الحكمة، محيية المدنية الأصلية، مهذبة طبائع البشر - ولا من قوله - لم يعرف إلى الآن ماذا تكون خطة الدول العظمى إزاء هذه الحركة ولا بد أن تنصفنا تلك الحكومات الكبيرة لما أن أفكار عقلائها استنارت بالعلم الصحيح فنشأت على حب الإنصاف والعدالة والرحمة بالإنسان أياًَ كان - بخ بخ ما أدهش هذه الأفكار هذه الأفكار السامية، والعقول الراجحة، وما أعجب هذا الصفاء القلبي وتلك الأفئدة الطاهرة التي حملتكم أيها الأقوام على حسن الظن برجال أوروبا والثقة والطمأنينة بأبنائها.
إن منشأ هذا الارتياح، ومصدر هذا الإخلاص هو غرامكم الشديد بحبهم، وخضوعكم لهم خضوع المرؤوس لرئيسه، والوليد لوليه، خضوعاً وغروراً سحراً قلوبكم وأبصاركم، وجعلاكم ترون كل ما يصدر عن أوروبا غاية في الحسن، ومحض خير لبني البشر.
ترون أن خطة الدول العظمى إزاء هذه الحركة ستكون مبنية على قاعدة الإنصاف والعدالة - ألم يبلغكم أن الدول العظمى أعلنت قبل نشوب الحرب أن هذه الحرب مهما كانت نتيجتها لا يمكن أن تحدث أقل تأثير في البلقان ولا أن تغير شيئاً من شكلها الحاضر. ولما أن ظهر شيء من نجاح البلقانيين أخذت تأول قرارها الأول وما زالت حتى سحقته بأقدامها وجعلته في خبر كان وقررت فيما بينها موافقة حكومات البلقان على جواز التبسط في الأراضي العثمانية بحجة أنه ليس لأحد أن يمنع ظافراً من ظفره ولا غانماً من غنيمته على