للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرط أن لا يخل ذلك بمصالحهن هناك. فإلى متى هذا الاغترار بأوروبا؟ ومتى ينتهي هذا الغرور برجالها؟ ألم يكفكم أيها الأقوام أنكم انسلختم عن عاداتكم، وهجرتم ما كان عليه أباؤكم، وتطرفتم إلى الآداب الدينية فحاربتموها، وإلى العوائد الإسلامية فقاومتموها، وزعمتم أن أوروبا ملقنة الخلق معنى الإخاء والحرية والمساواة ليعاشروا بالمعروف ويقوم نظام اجتماعهم على تبادل المنافع حتى لا يبقى تمييز في الحقوق والواجبات بين المختلفين في المواليد والديانات لم يكفكم ذلك كله لم يكفكم تربعكم في المناصب وتهافتكم على الوظائف وإسرافكم في الملذات، وتبذخكم في الشهوات، ومحاربتكم المنافع العامة في سبيل منافعكم الخاصة حتى صبغتم أنفسكم وأولادكم بصبغة أفرنجية ثم أتيتم إلى الناس تسقونهم من خمر تلك المدنية الغريبة، وتكرهونهم على أن يربوا أولادهم بتربيتهم، ويأخذونهم بعوائدهم، ويعلمونهم علومهم ولغاتهم حتى ينشئوا وقد تمكنت من قلوبهم وأخلاقهم وأميالهم وأضحوا يظاهرونهم لاتحادهم معهم لغة وعادات وأفكار. إلى متى أيها الأقوام تثقون بأوروبا وتحمدونها وتزعمون أن رجالها هم محبو السلم، وناشروا لوائه وهم أرباب الأخلاق والغيرة ومثال الصدق والعفة. غركم منهم أنهم يجهرون بحب الإنسانية وخدمتها. أنسيتم أساطيلهم؟ أجهلتم مدافعهم؟ أغفلتم عن إعدادهم المعدات الحربية والطيارات الجوية؟ أحسبتم أن ذلك كائن للحيوانات العجم؟ أم للأحجار الصم؟ كلا والله ثم كلا لم يكن ذلك إلا لقتل الإنسانية ونحرها وصب البلاء والويلات عليها. ويل لكم أتصدقون رجال أوروبا بأنهم نصراء الإنسانية المظلومة إذاً فلم تقتل الأطفال الرضّع والشيوخ الركع والنساء العجز في طرابلس الغرب وأوروبا واقفة لا تتحرك، أتصدقون بأن رجال أوروبا يرفقون بالبائسين والمساكين إذاً فلم تذبح المسلمون في مراكش ويهان الأشراف والعلماء في تونس وتسجن الأبرياء في مصر وأوروبا صامتة لا تتكلم. أتصدقون بأن رجال أوروبا يعطفون على الضعفاء والعاجزين ويأخذون بيد العاثرين إذاً فلماذا تقف دوارعهم في جزيرة كريد لتحرس أبناءها وتحفظ رجالها ومسيحيو الكريديين يذبحون المسلمين في عقر دورهم وفي وسط بيوتهم وفي رواجهم وغدوهم وهم ينظرون إليهم ويتغاضون عن أعمالهم أتصدقون بأن رجال أوروبا أهل وفاء وصدق إذاً لماذا نقضوا أكثر المعاهدات التي جرت بينهم وبين حكومتنا العلية. هذه معاهدة باريز التي عقدت في ٣٠ مارس سنة ١٨٥٦ بعد أن وقع عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>